صفا لك شِربُ العيشِ غيرَ مُثَرَّبِ – ابن الرومي

صفا لك شِربُ العيشِ غيرَ مُثَرَّبِ … ولا زلتَ تسمو بين بدرٍ وكوكَبِ

تُدبّرُ أمرَ المُلكِ غيرَ مُعنَّفٍ … وتُؤثرُ أمرَ اللَّهِ غيرَ مؤنبِ

وتَجبي إلى السلطان أوفى خَراجِهِ … وتكسبُ حمدَ الناسِ من خيرِ مكسَبِ

أحين أَسرتُ الدهرَ بعد عُتوّهِ … وفلَّلتُ منه كلَّ نابٍ ومخلبِ

فأصبحتُ مَكفياً همُومي مُزايلاً … غمومي مُوقًّى كُلَّ سوءٍ ومَعطبِ

ولم يبقَ لي إلا تمنِّي بقائِهِ … على الدهرِ ما أرستْ قواعدُ كبكبِ

تهضّمُني أنثى وتَغصِبُ جَهرة ً … عقَاري وفي هاتيك أعجبُ مَعْجبِ

لقد أَذكرتْني لامرىء ِ القيس قولَه … فإنك لم يَغْلبك مثلُ مُغلَّبِ

وما قَهْرُ أنثى قِرنَ جِدٍّ ولم تكن … لتقهر إلا قِرنَ هزل وملعبِ

عرفنا لها غَصْبَ الغَرير حُقوقَهُ … فما غضبُها حقَّ الحكيم المُدرّب

لها كلُّ سلطانٍ على قلبِ أمردٍ … ولم تُعط سلطاناً على قلب أشيبِ

إليكم شكاتي آلَ وهب ولم تكن … لتَصمِدَ إلاَّ للوزير المهذبِ

لعمري لقد أَعطيتُمُ العدل حقَّهُ … فلا يتجاوزْهُ ولا يتعتبِ

له أن يَذُبَّ الليثَ عن ظلم ثعلبٍ … وليس له إذلالُ ليثٍ لثعلبِ

أجِرْني وزيرَ الدين والملك إنني … إليك بحقي هاربٌ كلّ مَهْربِ

توثّبَ خَصمٌ واهنُ الركن والقُوى … على أيِّدِ الأركان لم يتَوثّبِ

هو النُّكرُ من وجهين غَصبٌ وبدعة ٌ … وفي النكر من وجهين موضعُ مَعْتبِ

وكم غَضبتْ للحقّ منك سجية ٌ … تؤدّبُ بالتنكير من لم يُؤدَّبِ

فلا تسلمني للأعادي وقولهم … ألا من رأى صقراً فريسة َ أرنبِ

أريد ارتجاعَ الدار لي كيف خَيَّلتْ … بحُكمٍ مُمَرٍّ أو بلطفٍ مُسبَّبِ

وإن انتزاعَ الحقّ من كفّ غاصبٍ … وقد نَشَبتْ أظفارُهُ كلَّ مَنْشبِ

لَخُطَّة ُ فَصْلٍ من سديدٍ قضاؤُهُ … وخُطَّة ُ فضلٍ من كريمِ المُرَكَّبِ

وإن انتظامَ الفصلِ والفضلِ في يدٍ … لشيءٌ إلى السادات جِدُّ مُحبَّبِ

فرأيك في تيسير أمري بعَزْمة ٍ … كوقعة ِ مسنونِ الغرارين مِقْضَبِ

وتاللَّه لا أرضى بردّ ظُلامتي … إلى أن أرى لي ألفَ عبدٍ ومركَبِ

وقد ساءني أَنِّي مُحبٌّ مُقرَّبٌ … وأَنْ ليس لي إذنُ المحبّ المقربِ

فماليَ في قلبِ الوزير مُرتَّباً … وفي داره حيرانَ غيرَ مرتبِ

ولا بد لي من رتبة ٍ تُرغمُ العدا … وتسهيل إذنٍ بين أهل ومَرْحبِ

ولو لم أؤمّلْ منك ذاك وضِعْفَهُ … ذهبتُ من التأميل في غير مذهَب

فلا ينكرنّ المنكرون تسحّبي … فلولا الجَنابُ السّهلُ لم أتسحبِ

أتيتُكَ لم أقصِدْ إلى غير مَقصِدٍ … بأمري ولم أرغبْ إلى غير مَرغَب

ولي منك آمالٌ عريضٌ مُرادُها … وواللَّهِ لا كانتْ مطامعَ أشعبِ

فإن أنتَ صدَّقت الرجاءَ ببُغيتي … فكم من رجاءٍ فيك غيرِ مكذَّبِ

وقد صدّق اللَّهُ الرجاءَ وإنما … طلبتُ مزبدَ الخيرِ من خيرِ مَطْلبِ

وعِشْ عيشَ مغشيِّ الفِناءِ مُحجَّبٍ … جَدا كفِّه في الناس غيرُ محجبِ