صدق النعي ورددد الهرمان – جبران خليل جبران
صدق النعي ورددد الهرمان … الله أكبر كل حي فان
ما يعظم الانسان لا تعصمه من … هذا المصير عظائم الإنسان
أمشيد الدستو حسب المجد ما … أدركت من جاه ورفعة شان
ولأنت أبقى من ألم به الردى … إن صح أن الذكر عمر ثان
لكن مصر وقد بعدت مروعة … تزداد أشجانا على أشجان
من مبلغ النائي ألوك حزينة … لنواه والخوان ينتحران
أغليل تطرقه الذئبا عشية … وبلهنة يتشاغل الليثان
أتلم روحك بالحمى إلمامة … فيرى الهدى في نورها الخصمان
سنة على عينيك رانت دونهه … وإليه لفتة قلبك اليقظان
فقدت بثروت مصر ثورة حكمة … كانت ذخيرة قوة وصيان
مأمولة في كشف كل ملمة … ألقت على صدر الحمى بجران
رجل إذا وازنت في ميزانه … من لا يراجح عاد بالرجحان
طلق محياه سري طبعه … عذب الشمائل ناصع التبيان
سمح السريرة همه ألا يرى … من ثلمة في وحجة الأوطان
كلف بنفع بلاده متغمد … ذنب المسيء إليه بالغفران
لولا هواه لقومه لم تتقد … فيه لظى حقد ولا شنآن
تبلوة عن كثب فتلفي النبل في … إسراره والنبل في الإعلان
وترى زعيما تتقيه مهابة … وترى أخا من أودع الإخوان
ثقة الثقات وغوث كل مهذب … أودى به ريب من الحدثان
من بعده يشكي إذا العافي شكا … برحاءه ويفك قيد العاني
إن أكبرت فيه المروءة خطبها … فالرزء رزء العين في إنسان
كانت بحاجات الكرام بصيرة … واليوم تخطي موقع الإحسان
ولي الإدارة والقضاء فلم يكن … بمفرط أو مفرط في شان
لم يرضه التقويض مدة حكمه … فبنى زهخير القائمين ألباني
راضا لصعاب العاتيان مذللا … عقباتها بالدأب والإحسان
أعرفت إذ دعت البلاد إلى الفدى … إقدام ذاك المسعد المعوان
أيام يبذل في الطليعة نفسه … لنجاتها من ذلة وهوان
في الوقفة الكبرى له الأثر الذي … يبقى على متعاقب الأزمان
ألسيف يلمع بالوعيد حياله … في كل أفق أنكر اللمعان
متبسما ومن النذير تبسم … يبدو قبيل توقد النيران
لكن من يرعى الحقيقة رعيه … يأبى بقاء في مقام تفان
أمل تعرضت المناياا دونه … فمضى وما يثنيه عنه ثان
لو أن موتا جاز قبل أوانه … أيكون غير الموت بعد اوان
ألحلم ما تجلوص باحة وجهه … والعزم ما تذكو به العينان
ووراء ما تبدي الجباه سرائر … وورائ ما تخفي القلوب معان
أأتتك أنباء المنابذة التي … ريع الثقات لها من اطمئنان
ما زال بالأواء حتى ذادها … وقضى على التشتيت والخذلان
ووفى لمصر بردة من حقها … ما كاد يتسعصي على الإمكان
لم ينس قط الشعب في سلطانها … فأقره مستكمل السلطان
واضاف بالدستور أروع درة … يزهى بها إكليلها النوراني
أشهدته أيام أغمدت الظبي … وتلاقت الآراء في الميدان
فرأيت في تعريبه عن قومه … آيات ذاك الحب والإيمان
يجلو أدلتهم بأي يراعة … ويقيم حجتهم بأي لسان
في الحل والترحال ينضح عنهم … بوضوح برهان وسحر بيان
فيحاور القهار غير مماذ … ويداور الجبار غير جبان
متحول لكنه متكن … من نفسه في محور الدوران
وإن إذا نهز النجاح تباطأت … فإذا تحينها فليس بوان
ومن التقدم في المجال تأخر … ومن البدار تلكؤ وتوان
ويكاتم الناس الذي في صدره … ومن القوى ما نيط بالكتمان
في معشر متفرق أهواؤهم … كتفرق الأذوناق والألولان
أشهيد أنبل ما يكابد مغرم … ببلاده من حبها ويعاني
تبكيك مصر اليوم مثل بكائها … يوم الرحيل وقد مضى حولان
فقدت بفقدك أي سيف صارم … عزت به ودريئة في آن
عنوان نهضتها وخير محصل … من مجدها في ذلك العنوان
هيهات يسلبها زمان من له … فيها مآثر ملء كل زمان
أما وديعتك التي خلفتها … فالحق يكلؤها فنم بامان
وعلى اصطفاق الموج فيما حولها … هي معقل متمكن الأركان
يرتد ريب الدهر عنها حاسرا … وتصان بالأرواح والأبدان
أقرانك الأمجاد في الشيب الأولى … يرعونها وبنوك في التيان