صبوح دمٍ يساجله غبوق – أحمد محرم

صبوح دمٍ يساجله غبوق … وليل ردى ً يواصله شروق

لقد طالت معاقرة المنايا … فما تصحو السيوف وما تفيق

إذا وصفوا حمياها لقومٍ … تخاذلت المفاصل والعروق

وما تدري السقاة بأي كأسٍ … تطوف وأي ذي طربٍ تشوق

ترى شرابها صرعى إذا ما … تحستها الحلاقم والحلوق

كأن الأرض والهة ً توالت … فجائعها وأعوزها الشفيق

تتابع ما يحل بساكنيها … من النوب الثقال وما يحيق

كأن جميع أهليها تجارٌ … وكل بلادها للموت سوق

لقد هد الممالك ما تعاني … من القدر المتاح وما تذوق

حروب يستغيث البغي منها … وينبو الإثم عنها والفسوق

تداس بها الشرائع والوصايا … وتنتهك المحارم والحقوق

تفنن في المهالك موقدوها … وبعض تفنن الحذاق موق

تردى البر والإيمان فيها … وضج الكفر منها والعقوق

فما يرضى إله الناس عنها … ولا يرضى يغوث ولا يعوق

إذا ابتدرت أجادلها مطاراً … أسف النسر وانحط الأنوق

إذا دانت مكان النجم هاجت … وساوسه ولج به الخفوق

تبيت له الفراقد جازعاتٍ … إذا هتك الظلام لها بريق

يهيج خبالها تأويب طيفٍ … يخال له لمامٌ أو طروق

إذا ابتدر السرى منها فريقٌ … تعثر في مساريه فريق

غمائم لحن من بيضٍ وسودٍ … تريق من المنايا ما تريق

تصب الموت أحمر لا قضاءٌ … يدافعه ولا قدرٌ يعوق

سهام وغى ً تسددها عقولٌ … لها في كل غامضة ٍ مروق

تباري الجن في الإبداع آناً … تحاكيها وآونة ً تفوق

إذا الأسباب كانت واهياتٍ … دعت فأجابها السبب الوثيق

جرت طلقاً فجاءت سابقاتٍ … وجاء وراءها الأمد السحيق

وأخرى تنفث الأهوال يجري … بمقذوفاتها القدر الطليق

ترد حقائق الزلزال وهماً … وتبطل ما ادعاه المنجنيق

لقد حمل الردى المجتاح منها … ومن أهوالها ما لا يطيق

إذا قذفت فملء الجو رعبٌ … وملء الأرض موتٌ أو حريق

تتابع لجتين دماً وناراً … سلام الناس بينهما غريق

يهم إليه ويلسن حين يدعى … وقد سد الطريق فلا طريق

حماه من القياصر كل غازٍ … يسوق من الفيالق ما يسوق

يعبئها وينفذها سراعاً … تراع لها العواصف والبروق

إذا ضاقت فجاج الأرض عنها … سمت في الجو فانفرج المضيق

وفي الدأماء داءٌ مستكن … وجرحٌ في جوانحها عميق

إذا الأسطول أحدث فيه رتقاً … توالت في جوانبه الفتوق

تطير مدائن النيران منه … وتهوي الفلك فيه والوسوق

يخيب الحول المرجو فيه … ويهلك عنده الآسى اللبيق

أصاب بشره الدنيا جميعاً … فما تصفو الحياة وما تروق

تفاقمت الخطوب فلا رجاءٌ … وأخلفت الظنون فلا وثوق

تطالعنا السنون مروعاتٍ … ونحن إلى أهلتها نتوق

يمر العهد بعد العهد شراً … فأين الخير والعهد الأنيق

نوائب روع التنزيل منها … وضج القبر والبيت العتيق

أيقدر للممالك ما تمنى … وقد علقت بني الدنيا علوق

أمض قلوبنا داءٌ دخيلٌ … وهم في جوانحنا لصيق

وبرح بالترائب مستطيرٌ … يعاوده التميز والشهيق

وجف الريق حتى ود قومٌ … لو أن السم في اللهوات ريق

بنا من ضارب الحدثان مالا … يطيق مضاءه العضب الذليق

كأن جراحه في كل قلبٍ … شفاهٌ للمنية أو شدوق

رويد البوم والغربان فينا … أما يفنى النعيب ولا النعيق

أكل غدية ٍ بالسوء داعٍ … وكل عشية ٍ للشر بوق

وددنا للنواعب لو عمينا … وسدت من مسامعنا الخروق

يكذب ما نخاف من البلايا … رجاء الله والأمل الصدوق

ويعلو الحق بين مهولاتٍ … من الأنباء باطلها زهوق

أقول لجازع الأقوام صبراً … فإن الصبر بالعاني خليق

إذا فدحت خطوب الدهر يوماً … فنعم العون فيها والرفيق

رويدك إن ريب الدهر حتمٌ … وإن الشر في الدنيا عريق

لعل الله يدركنا بغوثٍ … يبدل ما يروع بما يروق

له الآلاء سابغة ً ومنه … خفي اللطف والصنع الرقيق

يريد فترعوي النكبات عنا … وتزدجر الخطوب وتستفيق

نؤمل ما يليق به ونشكو … إليه من الأذى ما لا يليق