سُبحانَ ربّكَ هل يزولُ، كغيرِه، – أبوالعلاء المعري
سُبحانَ ربّكَ هل يزولُ، كغيرِه، … شرَفُ النّجومِ وسؤدَدُ الأقمارِ؟
فكأنّ من خَلَقَ النّفوسَ رأى لها … ظُلماً، فعاجَلَها بسوءِ دَمارِ
ما سَرّني بقَناعةٍ أُوتيتُها، … في العَيشِ، مُلكا غالبٍ وذِمارِ
ومنَ المَعاشِر مَنْ يكونُ ثَراؤهُ … مَهْرَ البَغيّ، وبُسرَةَ الخمّار
والشرُّ مُشتَهَرُ المكانِ معرَّفٌ؛ … والخَيرُ يُلمَحُ من وراءِ خِمار
ويُقامِرُ الإنسانُ، طولَ حَياتهِ، … قَدَراً تَمَنّعَ من رضاً بقمار
خَفْ من تَوَدُّ، كما تخافُ مُعادياً، … وتَمارَ فيمَنْ ليسَ فيهِ تماري
فالرُّزءُ يَبعَثُهُ القريبُ، وما درى … مُضَرٌ بما تجني يَدا أنمار
يَغدو الفَتى، والخَيلُ ملْكُ يَمينِه، … وكأنّهُ غادٍ بلُبّ حِمار
فإذا ملَكتَ الأرضَ، فاحمِ تُرابها … منْ غَرْسِهِ شجَراً بغيرِ ثمار
إن قَلّتِ السّمراءُ عندك، بُرهةً، … فاجزأ بمحضٍ، مرّةً، وسِمار
وقد ادّعَى مَنْ ليسَ يَثبُتُ قولُه، … عِظمَ الجسومِ، وبَسطَةَ الأعْمار
ما كابرٌ إلاّ كآخرَ غابرٍ؛ … والحَقُّ يُعلَمُ وجهُهُ بأمارِ
وتغَنّتِ الدّنيا بصوتٍ واحدٍ؛ … لا تُحسِنُ الرّبداءُ غير زمار
ومن المجرّبُ، والمَدى مُتَطاولٌ … عُدّتْ كواكِبُهُ من الأغمار
وشربتُ كأساً، في الشّبيبة، سادراً، … فوجَدتُ بعدَ الشّيْبِ فَرطَ خُمار
ما بالُ هذا اللّيل طالَ، وقد يُرى … مُتَقاصراً عن جلسَةِ السُّمّار؟
أترومُ فجراً كالحُسامِ، ودونَهُ … نجمٌ أقامَ، تمكُّنَ المِسمار؟
تَلقَى الفتى كالرّيح، إنْ أوْدَعتَهُ … سِرّاً أُذيعَ، فصارَ كالمِزمار
ما زالَ مُلكُ اللَّهِ يَظهَرُ دائباً، … إذْ آدَمٌ وبَنوهُ في الإضمار
فامنَعْ ذمارَكَ، إن قدَرتَ، فإنّني … عَدَتِ الخُطوبُ، فما حميتُ ذماري
تَقفو الظّعائنُ من نُوَيرَةَ أجْمرَت … أجمالَها، سَحَراً، لرمي جِمار
وعُدِدْتَ من عُمّارِ مكّةَ، بعدما … كنتَ المَريدَ، يُعَدُّ في العُمّار
فليُغنِ عن لُبسِ الشُّفوفِ نَسائجاً … بالتّبرِ، لُبسُكَ رَثّةَ الأطمار