سَمْعا أبا إسحق إنك ماجدٌ – ابن الرومي

سَمْعا أبا إسحق إنك ماجدٌ … وعلى حقوقِ المجدِ جِدُّ أمينِ

ماذا تقول إذا سُئِلْتَ مُحاسباً … والظالمونُ على شفا سجِيِّن

لِمْ نام جودُكَ عن ثوابِ مدائحٍ … جاءتكَ من رجلٍ مجيءَ يقين

وطفقتَ تُوعدُهُ بكلِ عظمة ٍ … لنميمة ٍ جاءتْ مجيءَ ظَنين

إن التثبّتَ والأناة َ على امرىء … عدلِ القضاءِ من السداد مكين

أيظلُّ مدحي في مقام مبارزٍ … وترى هجائي في مُغار كَمين

لايُلْفِينَّك ذو الجلال مُحاولا … تَبْيينَ مَطْموسٍ وطَمْسَ مُبين

باللهِ أحلفُ أن ما حُدِّثْتَه … كذبٌ أرى حَبَلاً بغير جنين

أيهيجُ مثلي بأسَ مثلكَ بالخنا … كمُقارعِ الصَّمصام بالسكين

وهبِ الحقيقة َ كلَّ ما حُدِّثْته … أينَ السماحُ وقد أُعنْتَ بدين

أقِلِ العثارَ كما أقلتَ نظيرَهُ … والمسْ خُشونَة َ ما ملكتَ بلين

يا صاحبَ التَّمكين أدِّ زكاته … فالصفحُ خيرُ زكاة ِ ذي التمكين

ومتى شجاك مُهجَّنٌ فاغفِرْ له … حتى روحَ مكذَّبَ التهجين

فتكيده كيدَ المعاتِب مُحرِزاً … أجرَ المُقيلِ وأنتَ غيرُ غبين

أهدَى لك التهجينَ فانتدَبَتْ له … حِيل الكريم فصار كالتزيين

أعملتَ حلمَكَ في السفيه وجَهلِهِ … رحْبَ الجوانح صادق التوطينِ

وأبان ذلك إفكَ خصمِك فانثنى … وهو المَشينُ وأنت غير مشين

ولو انتقمتَ لكنتَ من أشهاده … ورفدتَ غَثَّ مقاله بسمين

إني لأعلمُ أن عندك نفثة … تَشفي السقيم ونفثة َ التنين

فعلامَ أعرِضُ للتي فيها الرَّدى … وأروغُ عن تلك التي تَشفيني

أَأوّاثِبُ الوزراءَ في ملكُوتِهِمْ … إنِّي إذاً لأوزَّة ُ الشاهين

ما مَنْ يُساق إلى انتجاعِكَ للندى … ممن يُساق كذا إلى التَّحْيين

أغرِبْ على الكُرماءِ في أكرومة ٍ … تلقى الرواة ُ بها ملوكَ الصين

ومن الغرائب في المكارم والعلى … صَبْرُ العزيز لسطوة ِ المسكين

والعفُو عن جانٍ ملكتَ عقابَهُ … طرفٌ من الإنشاءِ والتَّكْوِينِ

أَوَ ما يسرُّك أن تُشبَّهَ بالذي … يُحيي العظامَ وأنت غيرُ لعين

بل أنت في هذا التشبُّه فائزٌ … وبأن تُثاب عليه جدُّ قَمين

فاعفُ التي عرف الإله براءتي … منها وتلك شهادة ٌ تكفيني

وحلفت لا أرضى بعفوك وحده … حتى يُلذَّ من اللُّهى بقَرين

وحلفتُ لا أرضى قريناً واحداً … وليثنينَّ وأنت غير ضنين

وحلفتُ لا أرضى بذلك كلِّه … حتى يدومَ فلا زوال لحين

ولئن حلفتُ لمَا حلفتُ مغَرَّراً … ضَمَنْتَ يمينُك برَّ كلِّ يمينِ

ولئن وثِقْتُ لما وثقتُ مُخاطراً … ما استمسكت كَفِّي بغير متين

وضَمينُ نفسي طيبُ خيمك وحده … حَسبي به من دون كل ضمين

سيكون لي متنفَّساً لا كربة … ولذاكَ كنتَ بموضع العِرنين

لا لا أخافُكَ إن عدلَكَ مَأْمني … مما أخاف وصامنٌ تحصيني

قد كان بشْرٌ نال أوْساً بالأذَى … فعفا له وصغا إلى التهوين

وحباه خير حِبائِهِ فغدتْ به … وَجْناء تَغْشَى حدَّ كلِّ وجين

من بعدِ ما احتدَمَتْ عليه عصبة ٌ … حَرَّى تفورُ على ذَوِي التسكين

فذكتْ له نارانِ نارُ مطمطِمٍ … قَذَفٍ ونارُ مجمجم سجِّين

ولأنت أولى بالتجاوُزِ والندى … يا بنَ الملوكِ وساسة الآيين

لا يستفزُّكَ بالمكارمِ سُوقة ً … وأبوك أكرمُ دائنٍ ومَدين

دعْ ما أُريكَ من المحاسنِ واستشِرْ … عينيكَ في التقبيحِ والتحسين

أقِم العقوبة َ والمثوبة َ جانباً … وتخيَّر الحسناءَ في التدوين

لايَسبقن إليَّ يا من لا يرى … شأوا له في المجد غير بطين

ومتى غدوتَ لديكَ شَرُّ صنيعة ٍ … فاعلم بأن الطَّول خير خَدين

بوّأْتني من حوت يونَس منزلاً … فمتى أنوءُ بمنْبت اليقطين

دنيايَ ضيقٌ مذ سَخِطْتَ وَظُلْمَة ٌ … والموتُ يتبَعُ ذاك أو تُحبيني

ولديك للمكروب أوسعُ همّة ٍ … عَطْفاً وأنورُ غُرَّة ٍ وجبين

فأفِىء ْ عليَّ ظلالَ عطفِكَ … إنني في مظلم الأرجاء غير كنين

لا تَغْلُظَنَّ على امرىء ٍ لم يَجْتَرمْ … جُرماً وأنت أرقُّ مِن تشرين

لا يُفْسدَنّ ثناكَ زورُ مُزَوِّرٍ … وثناكَ نَشْرُ الوردِ والنَّسرين

لا تجعلنَّك عصبة ٌ عن ظِنَّة ٍ … حُزْني وأنت سرُورُ كل حزين

خذل الإلهُ لديك خاذل حجّتي … وأعان كلَّ معاضدٍ ومُعين

يا ليتَ شعْري كيف يصْنعُ كائدي … غَلِّي عليْهِ يَدَيْهِ بالتَّوهينِ

أيثيرُ من شعري دفين عيوبه … ولكل شعر مستثار دفين

أم يرتجي ألا يثيب خسيستي … عند النشيد بضعف ما يغنيني

فذرِ المُقَدَّر أن يخونك نظرة ٌ … فترى رصين القول غير رصين

أوَ ما درَى أن السماحة في الفتى … إغلاؤه ثمناً لغيرِ ثمين

خاب المؤمِّل فيك ظلمَ مؤملٍ … وإن استماح بهَيِّنٍ ومُهينِ

أغْنته ترجية ُ المُحال ولم يكن … بمسيِّر في البرِّ ركْبَ سفين

من رام سَكْر البحرِ عن طُرقاتِهِ … أرهنته بالعجز ألفَ رهين

ما لِلَّذِي قطعَ الشهادة َ كاذبا … مُنعَ الشهادة َ ساعة َ التلقين

ولكَ التفَطّن قبلَ كُل مُفَطَّنِ … ولك التبَيّن دونَ ذي التبيين

لا تزبرنَّ على الضعيفِ فربما … ظلم الزَّبيرُ فعاد رَجْعَ أنين

ولقد ترى الشعراء في عثراتهم … فتليهُمُ بإقالة ٍ تُرْضيني

وترى أُجاجَتَهُمْ مَعيناً سائغاً … لِطباع صِدْقٍ ساخَ فيه معيني

حُورُ المكارِم يَتَّمتْك وعِينُها … لا الشعرُ محفوفاً بحورٍ عين

لو كنتُ من مُتَحَنِّنيكَ وددتني … وقرنْتَ ذكر مَعاهدي بحنيني

لكن أَراني إذ حفتْك مسائلي … خشَّنْتَ صدركَ أيَّما تخشين

وكأنني بك شاكرٌ لك قائلٌ … إنَّ الكريمَ يلين للتليين

لاقيتُ إبراهيمَ يرجحُ في الندى … والحلم والتقوى بكل وَزين

خفَّت مَناهضهُ فخفَّ إلى العلا … ورسا بحلم كالجبالِ رزين

أعفى بحاجاتي وقد حمَّلْتُهُ … ما لا تُحمَّلُ خِلْقَة ٌ من طين