سَرى والنَّسيمُ الرَّطبُ بالرَّوضِ يَعْبثُ – الأبيوردي

سَرى والنَّسيمُ الرَّطبُ بالرَّوضِ يَعْبثُ … خَيالٌ بِأَذيالِ الدُّجى يَتَشَّبثُ

طوى بُرْدَة َ الظَّلْماءِ، واللَّيْلُ ضارِبٌ … بِروقَيهِ، لا يلوي ولا يَتَلَّبثُ

فَيمَّمَ عن عُفْرٍ طَليحَ صَبابة ٍ … وَلِلْفَجْرِ داعٍ بِاليَفَاعِ يُغَوِّثُ

مُتَوَّجُ أَعلى قِمَّة ِ الرَّأسِ، ساحِبٌ … جَناحَيْهِ، في العَصْبِ اليَماني مُرَعَّثُ

إذا ما دَعا لبَّاهُ حُمْشٌ، كَأَنَّها … تُفَتِّشُ عَن سِرِّ الصَّباحِ وَتَبْحَثُ

لَكَ الله مِنْ زَورٍ، إذا كَتَمَ السُّرى … فَلا ضَوْؤُهُ يَخْفَى ، وَلا اللَّيلُ يَمْكُثُ

يَنُمُّ عَلَيْنا الحَلْيُ، حَتّى إذا رَمَى … بِهِ باتَ واشِي العِطْرِ عَنّا يُحَدِّثُ

لَهُ لَفتَة ُ الخِشفِ الأَغَنِّ وَنَظرَة ٌ … بِأَمْثالِها في عُقْدَة ِ السِّحْرِ يُنْفِثُ

وقَدٌّ كَخوطِ البانِ غازَلَهُ الصَّبا … يُذكَّر أَحياناً وَحِيناً يُؤّنَّثُ

وَقَد كادَ يَشكو حَجْلَهُ وسِوارُهُ … إليهِ وِشاحٌ يَشبَعانِ وَيغرَث

وَمنْ بَيِّناتِ الشَّوقِ أنَّي على النَّوى … أَموتُ لِذِكْراهُ مِراراً وَأُبْعَثُ

وَحَيْثُ يَقِيلُ الهَمُّ وَالحُبُّ جَذْوَة ٌ … على كَبدٍ مِنْ خشية ِ البَينِ تُفرثُ

بَقايا جَوى ً تَحْتَ الضُّلوعِ كَأَنَّها … لَظى ً بِشآبيبِ الدُّموعِ يُؤَرَّثُ

أَما وَالعُلا، واهاً لَها مِنْ أَليَّة ٍ … لَحَى الله مَنْ يُولِي بِها ثُمَّ يَحْنَثُ

لأَبتعِثَنَّ العيِسَ شعثاً، ورَاءَها … أَسيمرُ جَوّابُ الدَّياميمِ أَشعَثُ

طَوى عَنْ مَقَرِّ الهُونِ كَشْحَ ابنِ حُرَّة ٍ … لَهُ جانبٌ شأَزٌ وآخرُ أوْعَثُ

وَأَعتَقَ مِنْ رِقَّ المطامِعِ عاتِقاً … بِثِنْيَييْ نِجَادِ المَشْرَفِيَّة ِ يُولَثُ

يَبيتُ خميصاً مِنْ طَعَامٍ يشينُهُ … وَيَشْرَبُ سُمّاً في الإِناءِ يُمَيَّثُ

فَلَيْتَ الّذي يُغضي الجٌفونَ عَلى القَذى … لَقى ً أُجهِضَتْ عَنهُ عَوارِكُ طُمَّثُ

أُخيَّ إلى كَمْ تتَبعُ الغَيْثَ رائِداً … وفي غَير أَرضٍ تُنبتُ العِزَّ تَحرُثُ

فَخَيَّمِ بِحيثُ الدَّهرُ يؤمَنُ كَيدُهُ … فَلا صَرْفُهُ يُخْشَى ، ولا الخَطْبُ يُكْرَثُ

بِآلِ قُصَيٍّ حاوِلِ المَجْدَ تَنْصَرِفْ … عَلَى لَغَبٍ عَن شَأْوِكَ الرِّيحُ تَلْهَثُ

جَحا جِحَة ٌ، بيضُ الوجوهِ، أكُفّهُمْ … سِباطٌ، مَتى تُسْتَمْطرِ الرِّفْدَ يُقْعِثوا

إذا نَحنُ جاوَرنا زُهيرَ بنَ عامرٍ … فَلا جارُهُ يقصَى ، ولا الحبلُ يُنكثُ

هُمامٌ يَرُدُّ المُعْضِلاتِ بِمَنَكِبٍ … تَسَدَّاهُ عِبءٌ لِلمكارِمِ مُجئِثُ

مَهيبٌ، فَلا رائيهِ يَملأُ طَرْفَهُ … لَدَيهِ، وَلا نادِيِهِ يَلغو وَيَرْفثُ

أَخو الكَلماتِ الغرِّ لا يستَطيعُها … لِسانُ دَعيّ في الفصاحة ِ ألوثُ

إذَا انْتَسَبَتْ ألْفَيْتَها قُرَشِيَّة ً … تُشابُ بِعُلْويِّ اللُّغاتِ وَتَعلَثُ

تَريعُ هوادِيها إليهِ، ودُونَها … مَدى ً في حَواشِيهِ المُقَصِّرُ يَدلِث

وَيَهْفو بِعطفَيهِ الثَّناءُ كَما هَفا … نَزيفٌ يُغَنِّيهِ الغَريضُ وَعَثْعَثُ

فَلا خَيرهُ يُطوَى ، وَلا الشَّرُّ يُتَّقَى … وَلا المُعْتَفِي يُجْفَى ، ولا العِرْضُ يُمْغَثُ

وَيَوْمٍ تَظَلُّ الشَّمْسُ فِيهِ مريضَة ً … لِنَقْعٍ، بِجلبابِ الضُّحى يَتَضَبَّثُ

رَمى طَرفيهِ بالمذاكي عَوابساً … وَخَبَّ إليهِ صارِخُ الحَيِّ يَنجُثُ

فَما بالُ لاحيه يَلومُ على النَّدى … بِفيه إذا ما تَابَعَ العَذْلَ كِثكِثُ

هُوَ البَحرُ، لا راجيهِ يَرتَشِفُ الصَّرى … وَلا مُجتَديهِ بالمَواعيدِ يُملثُ

وَرَكْبٍ يَزُجُّون المَطايا كأَنَّهُم … أَثاروا بِها رُبْدَ النَّعامِ وَحَثْحَثُوا

سَرَوا فأَنا خوها لَديكَ لَواغِباً … يَشِمْنَ بروقاً، وَدُقها لا يُرَّيثُ

وَفارَقْنَ قَوْماً لا تَبِضُّ صَفاتُهُمْ … هُمْ وَرثوا اللُّؤمَ التَّليدَ وَأَورَثوا

فَسَيَّانِ مَنْ لاحَ القَتِيرُ بِفُودِهِ … وَطِفْلٌ يُناغي وَدْعَتَيْهِ وَيَمْرُثُ

لَهم صَفحاتٌ لا يَرقُّ أَديمُها … عَلَيها رُواءٌ كاسِفُ اللَّونِ أَبْغَثُ

وَغِلْظَة ُ أَخْلاقٍ يُولِّدُها الغِنى … عَلى أَنَّهاِ عنْدَ الخَصاصَة ِ تَدْمُثُ

لِئَنْ قَدُمَتْ تِلكَ المَساوي وَأكبرَتْ … فَما صَغُرَت عَنها مَعايبُ تَحدُثُ

كَثيرونَ لَو يَنْمِيهِمُ ابنُ كَريهَة ٍ … حَلَيفُ الوَغى ، أَو ناسِكٌ مُتَحَنِّثُ

أَسَفَّ بِهمْ عِرقٌ لَئيمٌ إلى الخَنَى … وَكَيفَ يَطيبُ الفَرعُ وَالأَصلُ يَخبُثُ

وَأنتَ الَّذي تُعْطي المَكارِمَ حَقَّها … وَتَفْحَصُ عَن أسْوائِهِنَّ وَتَنْبِثُ

إذَا قَدَحَ العافي بِزِنْدِكَ في النَّدَى … فَلا نارُهُ تَخْبو ، وَلا الزَّنْدُ يَغْلَثُ