سهام النوارس والبحر – محمد القيسي
ولا تكتب الآن شيئا
فمدّ الحنين المسائي ..
يوغل في الشفق البرتقاليّ ،
هذا هو البحر ، والعربات الأنيقة تعبر ،
إنّ رياحك ساكنة ..
والنوارس لا تتتقن الآن فنّ العناق
ولا تكتب الآن شيئا ..
فأنت على سفر دائم
والبلاد تهاجر خلف الحدود ،
وقامات أشجارها لا تبين ،
وهذي السكاكين ..
مشرعة لرقاب الأحبّة ..
هذا هو العمر ، قاطرة وحقائب ،
خاصرة ورماح
وكلّ الناس محكومة ..
بالحنين إلى البحر والعشب مهمومة ،
بالفراق
لأيّ التواريخ تنسب أوجاعها الكوكبيّة ..
أعراسها الدموية ،
ها إنّ أمطارك الداخليّة ..تهطل ..
أقمارك الموسمية .. تأفل ،
شيئا فشيئا ..
ولا تنزل الآن ، لا ترحل الآن ،
تحمل أوراقها وقلائدها
والسيوف التي لم تجدها
ووحدك تشقى
لأيّ التواريخ تنسب أوجاع هذي النوارس
تجيء المراكب والجوع يبقى
تهبّ الرياح بما ..
يشتهيه الزمان المعاكس
ولا تكتب الآن شيئا ،
فأنت هنا
في موات الصحارى الوسيعة ترقى
دما سائلا فوق وجه الجدار ،
ووجها على جوعه لا يراق
تقول :
لقد لفحتنا الشموس ،
وهذي الدروب امتداد إلى الحزن والحزن ،
هذا رماد الطفولة يلبس أثوابنا ..
إنّ أهدابنا ..
بالغصون القديمة مثقلة ،
والحسّاسين تهجر أعشاشها وتجيء
تقول :
( وكانت تنقر أوراقها القبّرات الأليفة ،
عبر الحوار ) ،
لماذا تضيق الجهات ،
وتلتجيء الأغنيات ،
ولا نهتدي لمدار ؟
تحدّث عنها الرياح العصّية ،
ترسم وجها ..
يليق بصفصافها الفارع المستحيل
تميل على ذكرها الأمهات الغيورات ..
في ساحة الدمع ،
والعائدات من النبع ،
يروين عنها
فيخضّر عشب بعيد بعيد
ويشرع أفق ..
وتحتلّني ،
عنقا ناضجا أو هديل
أغنّي لها تارة ،
أو أنام على صدرها
طاعنا في الهموم ،
محاطا بصفّ الخصوم ،
أفتّش في ليلها عن دليل
سهام التي عربشت في حزام النبيّ المهاجر ،
ذات أصيل
لماذا يعزّ إليها الوصول ؟
سهام الرضا والمدى والسهول
سهام النتوءات والبحر والموج
والشاطىء المستحمّ بوهج الظهيرة ،
يقرأ في سفر أيامه الذاهبة
سهام السنابل والمدن الغائبة
سهام التي لا تجيء ،
التي لا تغيب ،
التي أوغلت في دمي ..
رعشة ، رعشة ،
واستوت في الحنايا
ولكنّ هذي الزوايا
تجاهر عتمتها بالزهور البعيدة ..
سائلت عنها السعاة ،
وجبت الفلاة ،
طرقت المدائن بابا فبابا
وعادت مساءلتي شجرا
وهمومي رؤى ..
وانكساري مرايا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأترك نافذتي لرياح الخليج ..
تسفّ ترابا ترابا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأرسم دائرة ضيقّة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
ونكهة قهوتها في فمي
عذبة حارقة
وتأسرني بين قوسين اثنين ،
سنبلة لا تموت ..
ولا أبلغ المشنقة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأمضي إلى موعد لا يكون ،
إلى وحشة لا تهون ،
إلى أفق واسع ..
موجع
ساطع
كالبكاء
لماذا أضيّعها في المساء ؟
سهام العصافير والضحكات
سهام المشاوير والأغنيات
سهام الكلام ، الحمام الذي ..
رفّ سربا فسربا
وحرّك فيّ اشتهاء الندى ،
والحجارة
والمعجزات
لماذا أضيّعها في المساء ؟
ولا تكتب الآن شيئا
فأنت على سفر دائم ،
والبلاد تهاجر خلف الحدود ،
وقامات أشجارها لا تبين ،
وهذي السكاكين ،
مشرّعة لرقاب الأحبّة
من أين تبدأ ..
هذا هو الحبّ ، إنّ الرياح تهبّ ..
الحريق يشبّ ،
وهذا أوان العناق
لا يوجد تعليقات حالياً