سما يناغي الشهبا – أحمد شوقي
سما يناغي الشهبا … هل مسَّها فالتهبا ؟
كالدَّيدبانِ ألزمو … هُ في البحار مرقبا
شيع منه مركبا … وقام يلقي مركبا
بشر بالدار وبال … ـأَهلِ السُّراة الغُيَّبا
وخَطَّ بالنُّور على … لوْحِ الظلام: مَرْحَبَا
كالبارق المُلِحِّ لم … يولِّ إلا عقَّبا
يا رُبَّ ليلٍ لم تَذُقْ … فيه الرقاد طربا
بتنا نراعيه كما … يرعى السُّراة الكوكبا
سعادة ٌ يعرفها … في الناس من كان أَبَا
مَشَى على الماءِ، وجا … ب كالمسيح العببا
وقام في موضعه … مُستشرِفاً مُنَقِّبا
يرمي إلى الظلام طر … فاٌ حائراٌ مذبذبا
كمبصرٍ أدار عي … ناٌ في الدجى ، وقلِّبا
كبصر الأَعشى أَصا … ب في الظلام ، ونبا
وكالسراج في يَدِ الـ … ـريح، أضاءَ، وخَبا
كلمحة ٍ من خاطرٍ … ما جاء حتى ذهبا
مجتنبُ العالم في … عُزلته مُجْتَنَبا
إلا شراعاً ضلَّ ، أو … فُلْكاً يُقاسي العَطَبا
وكان حارس الفنا … رِ رجُلاً مُهذَّبا
يهوى الحياة ، ويحبَّ … العيش سهلاً طيِّبا
أتت عليه سنوا … تٌ مُبْعَداً مُغْتَرِبا
لم يَرَ فيها زَوْجَهُ … ولا ابنَه المحبَّبا
وكان قد رعى الخ … طيبَ ، ووعى ما خطَبا
فقال : يا حارسُ ، … خلٍّ السُّخط والتعتُّبا
من يُسعِفُ الناسَ إذا … نُودِي كلٌّ فأَبى ؟
ما الناس إخوتي ولا … آدمُ كان لي أبا
أنظر إليَّ ، كيف أق … ضي لهم ما وجَبا ؟
قد عشتُ في خِدمتهم … ولا تراني تعبا
كم من غريقٍ قمت … عند رأسه مطبَّبا
وكان جسماَ هامداً … حرّكتهُ فاضطربا
وكنت وطَّأت له … مَناكبي، فرَكبا
حتى أتى الشطَّ ، فب … شَّ من به ورحَّبا
وطاردوني ، فانقلب … تُ خاسراَ مخيٍّبا
ما نلت منهم فضة َ … ولا منحت ذهبا
وما الجزاء ؟ لا تسل … كان الجزاءُ عجبا
ألقوا عليّ شبكا … وقطَّعوني إربا
واتخذ الصٌّنَّاع من … شَحميَ زَيْتا طيِّباً
ولم يَزَلْ إسعافُهم … ليَ الحياة َ مذهبا
ولم يزل سَجِيَّتي … وعملي المُحبَّبا
إذا سمعتُ صرخة ً … طرتُ إليها طربا
لا أَجِدُ المُسْعِفَ … إلا ملكاً مقرَّبا
والمسعفون في غدٍ … يؤلفون مَوْكبا
يقول رِضوانُ لهم … هيَّا أدخلوها مرحبا
مُذنِبُكم قد غَفَر … اللهُ لهُ ما أذنبا