سقَى الله ظبياً مُبْديَ الغُنْجِ في الخطْرِ – أبو نواس

سقَى الله ظبياً مُبْديَ الغُنْجِ في الخطْرِ … يميسُ كغِصْنِ البان من رِقّة ِ الخصْرِ

بعينيه سحْرٌ ظاهرٌ في جفونهِ، … وفي نَشْرِهِ طيبٌ كفائـحـة ِ العِـطـــرِ

هو البدر، إلاّ أنّ فيهِ مــلاحــة ً … بتفْتيرِ لحْظٍ ليْسَ للشمسِ والبدرِ

ويضْحكُ عن ثَغْرٍ مليحٍ كأنّهُ … حُبَابُ عُـقارٍ، أو نقيٌّ من الدُّرِّ

جفاني بلا جُـرْمٍ إليْهِ اجترَمْتُهُ ، … و خلّفَـني نِضْـواً خلِـيّاً من الصّـبرِ

ولوباتَ ، والهجرانُ يصْدعُ قلبَهُ ، … لجادَ بوصْلٍ دائمٍ آخرَ الــدّهْــرِ

مخافـة َ أنْ يُبْـلى بهَجْـرٍ وفُرْقـة ٍ ، … فيـلْقَى من الهِجْـرانِ جمراً على جمرِ

سقى الله أياماً، ولا هجْرَ بينَنَا، … وعُودُ الصِّبَا يهتَزّ بالورق النّضرِ

يباكرُنَا النّوْروزُ في غَلَسِ الدُّجى … بنَوْرٍ على الأغْصَانِ كالأنجمِ الزُّهرِ

يلوحُ كأعْلام الْمَطارِفِ وشْيُهُ … من الصّفرِ فوْق البيضِ والخُضرِ والحمرِ

إذا قابَلَتْـهُ الرّيـحُ أوْ مَا بـرَأسِهِ … إلى الشّرْبِ أن سُرّوا، ومالَ إلى السّكْرِ

و مسمعة ٍ جاءَتْ بأخرَسَ ناطقٍ، … بغيرِ لسانٍ ظَلّ ينطقُ بـالسّـحــرِ

لتبـديَ سـرّ العاشقيـن بصـوته ، … كما تَنطقُ الأقدامُ تجهرُ بـالسّــرّ

تَـرَى فَخِذَ الألْـواحِ فِيها كأنّهـا … إلى قَدَمٍ نِيطَتْ تضجّ إلى الزَّمْرِ

أصابعُها مخضوبة ٌ ، وهي خمسة ٌ ، … تختَّمْنَ بالأوتَارِ في العُسْرِ واليُسْرِ

إذا لحقتْ يـوماً لُـوي اصْبَعٌ لها، … فتحكي أنينَ الصّبّ من حُرقة الهجرِ

تقول، وقد دبّتْ عُقَارٌ كأنّها … دمٌ ودموعٌ فوق خدّ، إذا تجري:

سـلامٌ على شخصِ ، إذا ما ذكرْتُهُ … حَذِرْتُ من الوَاشينَ أن يهتِكوا سرّي

فبغضُ النـدامَى في سرُورٍ وغبْطة ٍ ، … وبعضُ النّدامَى للمُدامة ِ في أسرِ

وبعضٌ بكى بعضاً، ففاضَتْ دُموعُه … على الخَدّ كالمَرْجانِ سال إلى النَّحرِ

فساعدتُهُمْ علْماً بما يورِثُ الهـوى ، … وأنّ جنونَ الْحُبّ يُولَعُ بالْحُرّ

فَـسقْـياً لأيّـامٍ مضَتْ ، وهيَ غَضّـة ٌ، … ألا ليتَها عادتْ ودامتْ إلى الحشْرِ