رقَّ لبغدادَ القضاءُ والقدرْ – مهيار الديلمي

رقَّ لبغدادَ القضاءُ والقدرْ … وعطفَ الدَّهرُ عليها وأمرْ

وامتعضَ المجدُ لها من طولِ ما … حاقَ بها الضَّيمُ فثارَ وانتصرْ

وضحكَ المزنُ إلى ربوعها … والعامُ قدْ قطَّبَ فيها وكشرْ

فهي ومنْ يحملهُ ترابها … عازبة ٌ راحتْ ومنهاضٌ جبرْ

عادَ الحيا إلى الثرى فربَّهُ … وفتقَ الصُّبحُ الظَّلامَ ففجرْ

ونطقتْ خرسُ العلا فأبصرتْ … عمياؤها وسمعتْ وهي وقرْ

فليهنها ما أثمرَ الصَّبرُ لها … والصّبرُ في إمرارهِ حلو الثَّمرْ

قصركِ يا خابطة َ اللَّيلِ بنا … لا بدَّ لليلِ الطَّويل منْ سحرْ

تنفَّسي مبصرة ً وانفرجي … فطالما غمَّ دجاكِ واعتكرْ

هذا الوزيرُ وأخوهُ فأسفري … قدْ ردَّتْ الشَّمسُ عليكِ والقمرْ

نجمانِ ما غابا لسعيٍ ماجدٍ … في الأفقِ إلاَّ طلعا مع الظَّفرْ

وجاريانِ سابقٌ بنفسهِ … إلى المدى ولاحقٌ على الأثرْ

تشابها والكفُّ مثلُ أختها … والزِّندُ مثلَ الزِّندِ مرخاً وعشرْ

متى تطلْ منْ شرفِ الدِّينِ يدٌ … تجدْ كمالَ الملكِ عنْ أخرى حسرْ

كلتا اليمنينِ قياسٌ للعلا … ذا ذرعَ الأفقَ بها وذا شبرْ

ومنْ يرَ ذا ورداً وذاكَ قرباً … لهُ يقلْ ذا العشبُ من ذاكَ المطرْ

دوحة ُ مجدٍ صعبتْ عيدانها … على العدا أنْ تختلى وتهتصرْ

سقى النَّدى عبدُ الرَّحيمِ ساقها … وحاطَ أيِّوبُ عليها وحظرْ

وحملتْ مثقلة ً فأثمرتْ … مذكرة ً فولدتْ كلَّ ذكرْ

قومٌ أقاموا الدَّهرَ وهو عاثرٌ … حتى مشى يختالُ عنهمْ وخطرْ

وأدركوا أيامهمْ بهيمة ً … مغفلة ً شياتها حصَّ الشَّعرْ

فاعتلقوا جباهها وسوقها … وطلعوا منَ الحجولِ والغررْ

كلُّ غلامٍ إن عفا وإنْ سطا … أمَّنَ بينَ الخافقينَ أو ذعرْ

أروعُ لا تجري الخطوبُ إن نهى … خوفاً ولا يقضي القضاءُ إن أمرْ

نالَ السَّماءَ مدرَّجاً في قمطهِ … وفاتَ كلَّ قارحٍ وما اثَّغرْ

لمْ يأخذْ السوددَ حظَّاً غلطاً … ولا العلا مغتصباً أو مقتسرْ

ما سارَ في كتيبة ٍ إلاَّ حمى … وما متطى وسادة ً إلاَّ وزرْ

قدْ صدعَ اللهُ بكمْ معجزة ً … في الأرضِ ليستْ في محلاتِ البشرْ

فأرشدَ المستبصرينَ بكمُ … لو كانَ يغني القلبُ أو يغني البصرْ

وأعلمَ الملكَ المدارَ أنَّهُ … بغيرِ قطبٍ منكمُ لا يستقرْ

وأنَّهُ حبلٌ وليتمْ فتلهُ … فكيفما أبرمهُ النَّاسُ انتسرْ

أما كفاهُ إن كفاهُ واعظٌ … بيانُ ما جرَّبَ منكمْ واختبرْ

وكيفَ لمَّتْ وهي في أيديكمُ … طينتهُ وانحلَّ في أيدٍ أخرْ

كمْ غارَ من بعدِ الغرورِ مدة ً … بغيركمْ أما يغارُ من يغرْ

بلى على ذاكَ قدْ بانَ لهُ … فرقانُ ما بينَ الرِّجالِ فظهرْ

ونصحتهُ نفسهُ لنفسهِ … فشاورَ الحزمَ وأحسنَ النَّظرْ

فقابلوا هفوتهُ بحلمكمْ … فمثلكمْ إن كانَ ذنبٌ من غفرْ

واستدركوا بسعيكمْ حفيظة ً … من أمرهِ ما شعبَ العجزُ وجرّ

فهو الذي درَّ على إيمانكمْ … قدما لهُ خلفَ الصِّلاحِ وغزرْ

وإنْ غنيتمْ لغنى أنفسكمْ … عنْ رغبة ٍ فهو إليكمْ مفتقرْ

إنَّ العراقَ اليومَ أنتمْ قطبهُ … لولاكمُ مدبِّرينَ لمْ يدرْ

قدْ حبستْ عليكمُ سروجهُ … منْ غابَ في حماتكمْ ومنْ حضرْ

أنتمْ غذا ضيمَ سيوفُ نصرهِ … وأنتمْ ربيعهُ إذا اقشعرّ

إذا قربتمْ ضحكتْ عراصهُ … وابيضَّ وجهُ العدلِ فيها وسفرْ

وإنْ نأيتمْ كانَ في انتظاركمْ … كأنكمْ فيهِ الإمامُ المنتظرْ

فعالجوا أدواءهُ بطبِّكمْ … قدْ حفرَ الجرحُ الذي كانَ عقرْ

لمْ يبقَ إلاَّ رمقٌ فابتدروا … إمساكهُ والغوثَ إنْ لمْ يبتدرْ

يا قاتلَ الجدبِ انتصرْ وقدْ بغى … بعدكَ عامُ المحلِ فينا وفجرْ

كمْ تمطرُ الشَّهباءُ عنكَ بالحيا … قدْ صرَّحتْ كحلٌ وصابتْ بقرْ

أمددْ بيمناكَ على مجدٍ عفا … خصباً وجدِّدْ رسمَ جودٍ قدْ دثرْ

أقدمْ على السَّعدْ إلى الصَّدرِ الذي … أوحشتهُ فانهضْ بوردٍ وصدرْ

واضفُ على الدَّولة ِ ظلاًّ سابغاً … تسحبهُ سحبكَ هدَّابَ الأزرْ

دعْ كبدَ الغيظِ على أعدائها … ودعْ لأوليائها حزَّ الأشرْ

قدْ أكلتْ أكفَّها نواجدٌ … يومَ لكَ الأمرُ استقامَ واستقرْ

ودويتْ بما أشرتْ وطوتْ … أفئدة ً بكَ بالسُّوءِ تأتمرْ

منَهمُ فربعوا منْ ظلعٍ … على رضاً بادٍ وسخطٍ مستترْ

فلا يزلْ وأنتَ حيٌّ خالدٌ … نأيهمْ حتى يسدُّونَ الحفرْ

ولا تنلْ ملككَ إلاَّ شللاً … يدُ الزَّمانِ وتصاريفُ الغيرْ

اذكرْ وصفْ كيفَ ترى بشائري … في مجدكمْ إنَّ الكريمَ من ذكرْ

حدِّثْ بآياتي وقلْ بمعجزي … وخبري عنْ كلِّ غيبٍ مستترْ

هذا الذي جرتْ بهِ عيافتي … لكمْ وطيري ذو اليمينِ إذ زجرْ

وكيفَ لا تصدقُ فيكمْ نذري … وأن في مديحكمْ أبو النُّذرْ

ومددُ العيشة ِ لي منْ فضلكمْ … وحظَّكمْ حظَّي منْ خيرٍ وشرّ

قدْ عرقَ الزَّمانُ لحمي بعدكمْ … ببعدكمْ وأحرقَ العظمُ وذرّ

ولمْ يدعْ لي غمزهُ جارحة ً … إلاَّ وفيها غمزُ نابٍ وظفرْ

تنبذني في حبِّكمْ نواظرٌ … وألسنٌ منبذة َ النَّضوِ المعرّ

أرجو نداهمْ ضلَّة ً وعطفهمْ … كما رجتْ قحطانُ ودَّاً في مضرْ

أرجعُ عنْ زيارتي في يسرهمْ … إلى محلٍّ عامرٍ من العسرْ

فافتقدوا شلواً لكمْ بقاؤهُ … ومنكمْ إن فاتَ أو مرَّ يمرّ

لسانكمْ وكلُّ منْ ينطقكمْ … سواهُ معقولُ اللِّسانِ أو مجرّ

قدْ بلغَ المفصلَ مني جازري … فاللهُ فيَّ أنْ يحزَّ ماجزرْ

لمْ تبقَ فيَّ بعدكمْ بقيَّة ٌ … يرجى لها رفدُ غدٍ وينتظرْ

فاقضوا ديونَ جودكمْ في خلَّتي … فقدْ قضى شعري فيكمْ ما نذرْ