ذُدْ عن مواردِ أدْمُعي طيرَ الكرى – ابن سهل الأندلسي

ذُدْ عن مواردِ أدْمُعي طيرَ الكرى … وأعِدْ بنارِ الوجدِ ليلِيَ نيّرا

وأصِخْ وطارِحني الشجونَ وغنّني … بهمُ ونازعني أفاويق السُّرَى

ريحانها ذكرى حبيبٍ لم يزلْ … راحي بِهِ دمعاً وكاسي محجرا

سلب الثريا في البعاد محلها … و أعارَ جفني نوءها المستفزرا

لا تَعْجَبوا إن غابَ عَنِّي شَخصُهُ … وخَيَالُهُ في أضْلُعي مُتَقَرِّرا

هذا أبو عثمانَ خيم قدرهُ … في النيراتِ وشخصهُ بين الورى

الكوثريُّ إذا همى ، والكوكبيُّ … إذا سما ، والمنصليُّ إذا فرى

ملكٌ تسنّمَ من قُريشٍ ذروة ً … من أجْلِها تُدْعى الأعالي بالذُّرى

حسبٌ يجرُّ على المجرة ِ ذيله … و مناقبٌ تذرُ الثريا كالثرى

يسعى السُّهى أنْ يغتدي كصغيرها … و يعذرُ الدبران عنها مدبرا

عالي مَنارِ العِلْمِ لَوْ أنَّ الهُدى … شخصٌ لَكَانَ لشَخْصِهِ متصوّرا

ومُبارَكُ الآثارِ لَوْ وطىء َ الصَّفا … لجرى بمنهلِّ النّدى وتَفَجّرا

أو مَسَّ عُوداً ذابِلاً ببنانِهِ … مساً لأورق في يديهِ ونورا

خُصّتْ بِهِ منورقَة ٌ وسَناؤهُ … قدْ نورَ الآفاقَ حتى أقمرا

كالشمسِ مطلَعُها السماءُ وضوءُها … قَدْ عمَّ أقطارَ البسيطَة ِ أنؤُرا

كذبَ المشبِّهُ بالنجومِ ضياءَه … و سناءه وذكاءه المتسعرا

لو كان عند النجمِ بعضُ خصالهِ … ما كان في رأي العيونِ ليصغرا

ملكُ السّجايا لو يحلُّ بمنزلٍ … بينَ النجوم الزهرِ كانَ مؤمرا

العالِمُ البطلُ الذي ما أنْفَكَّ في … حالٍ يخطُّ دجى ويرفعُ عثيرا

لَمْ أدرِ قبلَ هباتِهِ وكَلامِهِ … أنَّ الفراتَ العذبَ يُعطي الجوهرا

ندبٌ إذا أعطى الكرامُ ليحمدوا … أعطى كرائمَ مالِهِ كي يُعْذَرا

لما تكررَ كلَّ حينٍ حمدهُ … نسيَ الورى ثقلَ الحديثِ مكررا

أضْحى بَنو حكم وقد علم الضُّحى … مذ أسفروا أنْ ليس يُدْعى مُسْفِرا

قومٌ إذا ركبوا الخيولَ حسبتها … عقبانَ جوٍّ حْمّلَت أُسْدَ الشَّرى

أو شمتَ مُسْبَغَة َ الدروعِ عليهمُ … أبصرْتَ أنهاراً تضمُّ الأبحرا

لو مَثَّلَتْ لهمُ المَنايا في الوغَى … أقرانَهُمْ لم تلقَ مِنهم مُدبرا

جمعتْ مآثرُ منْ سواهمْ فيهمُ … جمعاً كمثل العامِ ضمَّ الأشهرا

نفرٌ لو أنكَ لم تكنْ من عزهمْ … في عسكرٍ جهَّزْتَ عزمَكَ عَسكرا

قَدْ كانَ قبلَ الأمرِ أمرُكَ صادعاً … والفعلُ يعملُ ظاهِراً ومقدَّرا

آياتُ عيسى في يديك وإنما … ماتَ الهدى وبحسنِ رأيك أنشرا

حاربتَ حزبَ الشركِ عنهُ بالحجى … والرفقُ مثلُ البطشِ يقصمُ أظهُرا

و طعنتهمْ بالمكرماتِ وباللها … في حيثُ لو طَعَنَ القنا لتكسَّرا

قد تجهلُ السمرُ الطوالُ مقاتلاً … تلقى بها الصُّفْرَ القصيرَة َ أبْصَرا

و تصححُ الآراءُ والراياتُ قدْ … نكصتْ على الأعقابِ واهية ِ العرى

إن خابَ غيركَ وهوَ أكثر ناصراً … وبقيتَ للإسلامِ وحدكَ مظهرا

فالبحرُ لا يروي بكثرة ِ مائهِ … ظمأً ورُبَّ غمامة ٍ تروي الثرى

الغيثُ أنْتَ بل أنْتَ أعذبُ شيمة ً … و أعمُّ إحساناً وأعظمُ عنصرا

و المزنُ يهمي باكياً متهجماً … أبداً وتهمي ضاحكاً مسبشرا

و الشمسُ مرمدة ٌ ونوركَ لو جرى … في مقلتَيْ أعمى لأصبَحَ مُبصرا

حَسّنْتَ قُبْحَ الدهرِ حتى خلتُهُ … ذَنْباً وخلتُكَ عُذْرَه المستغفرا

و وهبتَ لا مسترجعاً ، وحكمتَ لا … مُتَنَطِّعاً، وعَلَوْتَ لا مُتَجبِّرا

فالملكُ منك خصيبُ أشجارِ المنى … يقظانُ عينِ السَّعْدِ مشدودُ العُرى

هو مفرقٌ في السلمِ يلبسُ منكمُ … تاجاً وفي حربِ الحوادثِ مغفرا

يا بحرُ جاورتَ البحارَ لعلة ٍ … حازَتْ لها الفخرَ المياهُ على الثَّرى

وأراكَ لم ترضَ البسيطَة َ ساحِلاً … فجعلتَ ساحِلَك الخِضمَّ الأخضرَا

بحرٌ أجاجٌ حالكٌ أدى إلى … بحرٍ حلا وِرْداً وأشرقَ مَنظرا

تُهدي رياحُ الحمدِ عَنْكَ المسكَ إن … أهدتْ رياحُ الأفقِ عنهُ العنبرا

خُذها تُنيفُ على الجمانِ مفصَّلاً … و الزهرِ غضاً ، والرداء محبرا

روضاً تغنَّتْ من ثنائك وَسْطَهُ … وُرْقٌ جَعَلْنَ غُصونَهُنَّ الأسطرا

لما طغى فرعونُ دهري عاتياً … شقّتْ عَصا شعري بَنانَكَ أبْحُرا

ما إن أُبالي حيثُ كنتمْ وجهتي … أنّي أُفارقُ موطناً أو مَعْشَرا

إذ عصركم كلُّ الزمانِ وأفقكمْ … كلُّ البلادِ وشخصكمْ كلُّ الورى

ينسي الوفودَ سماحكم أوطانهمْ … وكذاك طِيبُ الوِردِ يُنْسي المصدرا

لم أرعِ تأميلي حمى لكمُ ولا … يَمّمْتُ مَغناكُم محلاًّ مُقْفِرا

إنْ كان عُمْرُ المرءِ حُسْنَ ثنائِهِ … فاعلمْ بأنكَ لنْ تزالَ معمرا

أذكى عليَّ الدهرُ خطوبهِ … فبثَثْتُ فِيها من مديحِكَ عَنْبرا

رفعتْ عواملهْ وأحسبُ رتبتي … بنيتْ على خفضٍ فلن تتغيرا

دمْ للأنامِ فلوْ على قدرِ العلا … بقيتْ حياتهم خلدتَ معمرا

واسلَمْ تنيرُ دجًى ، وتُخصبُ مجدباً … و تبيدُ جباراً ، وتغني مقترا