ذراني أقم للشعر في مصر مأتما – أحمد محرم

ذراني أقم للشعر في مصر مأتما … إلى أن يفيض النيل في أرضها دما

تلومان أن أبديت ما بي من الأسى … وأني لما بي أن يوارى فيكتما

سبيلكما أن تخفيا لاعج الجوى … وما هو إلا أن يذاع فيعلما

أحر الجوى ما جاوز القلب فارتقى … وأصفى الهوى ما ذاب في العين فانهمى

وأوهى ضروب الحب حبٌ ملثمٌ … يصانع خافيه وشاة ً ولوما

رويدكما يا لائمي فإن بي … على مصر وجداً جل أن يلثما

بلادٌ سقتني الحب عذباً ووكلت … بصافيه قلباً بين جنبي أهيما

يزيد هواها كلما زاد بؤسها … وتنمو تباريح الجوى كلما نما

حفظت لها عهدين عهد شبيبة ٍ … تصرمت اللذات لما تصرما

وآخر يكسوني المشيب مفوفاً … ويلبسني منه الرداء المسهما

وما المرء إلا قومه وبلاده … فإن يذهبا يلق الأذى حيث يمما

ويحيا حياة البائسين ويحتقب … من العار ما يبقى له الدهر ميسما

وما من فتى ً تغشى المهانة قومه … فيطمع أن يلفي من الناس مكرما

بمغرسه يحيا النبات فإن ترد … له مغرساً من دونه مات مؤلما

ولم أر كالأوطان أكبر حرمة ً … وأكرم ميثاقاً وأعظم مقسما

حلفت بمصر والعوادي أواخذٌ … بحوبائها يرمينها كل مرتمى

لقد ضاق حلم النيل عن جهل فتية ٍ … جزوه من الحسنى عقوقاً وملأما

وما زال مكفور الصنيع كأنما … يجود به كرهاً ويسديه مرغما

ولا جرم للمصري فيما تأولوا … ولكن أساء النيل صنعاً وأجرما

تفيض خلال السوء منه فترتوي … نفوس بنيه لا ارتوين من الظمى

أفي كل يومٍ للغواة جريرة ٌ … تعيد الرجاء الطلق أربد أقتما

لقد كان فيما أسلف الدهر واعظٌ … لوان عظات الدهر تهدي أخا العمى

فيا لك يوماً كان في الشؤم واحداً … ويا لك خطباً كان في الهول توأما

تلقوه بالتهليل حتى كأنما … تلقوا به عيداً لمصر وموسما

وهموا بأخرى يسقط الدهر دونها … صريعا وتهوي عندها الشهب رجما

بعيدة مستن المكاره ما لنا … إذا انبعثت منها معاذٌ ولا حمى

إذا اهتزمت فيها الرزايا حسبتها … تشقق صخاباً من الرعد مرزما

تسف فتردي الواضعين وترتقي … إلى النفر العالين في القوم سلماً

وتعصف بالأهرام ثمت تنتحي … قوارعها العظمى فتذرو المقطما

وترمي عباب النيل منها بزاخرٍ … تظل المنايا فيه غرقى وعوما

لعمري لقد آن النزوع عن الهوى … وحق على ذي الجهل أن يتعلما

بني وطني من يرتد الشر يلفه … وإن راقه يوماً رداءً مسمما

بني وطني إن الأمور سماتها … تبين وإن الرأي أن نتوسما

بني وطني مالي أراكم كأنما … ترون السبيل الوعر أهدى وأقوما

أإن قام ينهاكم عن الغي راشدٌ … غضبتم وقلتم خائنٌ رام مغنما

ورحتم يهب الشر من لهواتكم … مدلين أن أمسى بكم فاغراً فما

تقودون من غاوٍ ومن ذي عماية ٍ … إلى المعشر الهادين جيشاً عرمرما

تعالوا إلينا إنما نحن أخوة ٌ … وإن انبتات الحبل أن يتفصما

تعالوا إلينا إنما نحن أخوة ٌ … وإني رأيت الأخذ بالرفق أحزما

وإن سبيلنا سواءٌ وكلنا … بنو مصر نأبى أن تضام وتهضما

وما العار إلا أن تظل أخيذة ً … وتبقى مدى الأيام نهباً مقسما

برئت من الأوطان إن هال حادثٌ … فلم تلفني في غمرة الهول مقدما

وإني لنهاض إلى السورة التي … تظل القوى عنها روازح جثما

وما زلت مذ أرسلت بالشعر هادياً … أجيء به وحياً وآتيه ملهما

وما بيدي أجري يراعي وإنما … يد الله تجريه فيمضي مقوما

من العار أن تشقى بلادي وأنعما … وكالموت أن يقضى عليها وأسلما

أحن إلى استقلالها وإخاله … إذا ما رأبنا الصدع أمراً محتما

أنطلبه فوضى ونسعى جميعنا … إلى عرصات الموت سعياً منظما

تحكم فينا الداء فانحلت القوى … وآية داء الجهل أن يتحكما

تفرقنا الأديان والله واحدٌ … وكل بني الدنيا إلى آدم انتمى

وساوس ضل الشرق فيها مصفدا … فما يملك الشرقي أن يتقدما

هي استوطنت منا الرؤوس فغادرت … مكان النهى منها طلولاً وارسما

بني الشرق لا يصرعكم الدين إنني … أرى الغرب لولا الجد والعلم ماسما

سلوه إذا رام الفريسة فانتحى … أيرعى مسيحياً ويرحم مسلما

هو الموت أو تستجفل الشرق رجفة ٌ … تزلزل صرعى من بنيه ونوما