دروع لملك الروم هذي الرسائل – المتنبي

دُرُوعٌ لمَلْكِ الرّومِ هذي الرّسائِلُ … يَرُدّ بهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيُشَاغِلُ

هيَ الزّرَدُ الضّافي علَيْهِ وَلَفْظُها … عَلَيْكَ ثَنَاءٌ سَابِغٌ وَفَضائِلُ

وَأنّى اهْتَدَى هذا الرّسُولُ بأرْضِهِ … وَما سكَنَتْ مذْ سرْتَ فيها القساطِلُ

وَمن أيّ ماءٍ كانَ يَسقي جِيادَهُ … وَلم تَصْفُ مِن مَزْجِ الدّماءِ المَناهِلُ

أتَاكَ يكادُ الرّأسُ يَجْحَدُ عُنقَهُ … وَتَنْقَدّ تحتَ الدّرْعِ منهُ المَفَاصِلُ

يُقَوِّمُ تَقْوِيمُ السِّماطَينِ مَشْيَهُ … إلَيكَ إذا ما عَوّجَتْهُ الأفَاكِلُ

فَقَاسَمَكَ العَينَينِ منهُ وَلَحْظَهُ … سَمِيُّكَ وَالخِلُّ الذي لا تُزَايِلُ

وَأبصَرَ منكَ الرّزْقَ وَالرّزْقُ مُطمِعٌ … وَأبصَرَ منهُ المَوْتَ وَالمَوْتُ هَائِلُ

وَقَبّلَ كُمّاً قَبّلَ التُّرْبَ قَبْلَهُ … وَكُلُّ كَميٍّ وَاقِفٌ مُتَضائِلُ

وَأسْعَدُ مُشتاقٍ وَأظْفَرُ طَالِبٍ … هُمَامٌ إلى تَقبيلِ كُمّكَ وَاصِلُ

مَكانٌ تَمنّاهُ الشّفَاهُ وَدونَهُ … صُدورُ المَذاكي وَالرّماحُ الذّوَابِلُ

فَما بَلّغَتْهُ ما أرَادَ كَرامَةٌ … عَلَيْكَ وَلَكِنْ لم يخِبْ لكَ سائِلُ

وَأكْبَرَ مِنْهُ هِمّةً بَعَثَتْ بِهِ … إلَيْكَ العِدى وَاستَنظَرَته الجَحافِلُ

فأقْبَلَ مِنْ أصْحابِهِ وَهوَ مُرْسَلٌ … وَعادَ إلى أصْحابِهِ وَهْوَ عاذِلُ

تَحَيّرَ في سَيْفٍ رَبيعَةُ أصْلُهُ … وَطابِعُهُ الرّحْمنُ وَالمَجدُ صاقِلُ

وَمَا لَوْنُهُ مِمّا تُحَصّلُ مُقْلَةٌ … وَلا حَدُّهُ مِمّا تَجُسُّ الأنامِلُ

إذا عايَنَتْكَ الرُّسْلُ هانَتْ نُفُوسُها … عَلَيْها وَما جاءَتْ بهِ وَالمُرَاسِلُ

رَجَا الرّومُ مَنْ تُرْجى النّوَافلُ كلّها … لَدَيهِ وَلا تُرْجى لدَيهِ الطّوَائِلُ

فإنْ كانَ خوْفُ القَتلِ وَالأسرِ ساقَهم … فقَد فعَلوا ما القَتلُ وَالأسرُ فاعِلُ

فخافُوكَ حتى ما لقَتلٍ زِيادَةٌ … وَجاؤوكَ حتى ما تُرَادُ السّلاسِلُ

أرَى كُلَّ ذي مُلْكٍ إلَيكَ مَصِيرُهُ … كأنّكَ بَحْرٌ وَالمُلُوكُ جَداوِلُ

إذا مَطَرَتْ مِنهُمْ ومنكَ سَحائِبٌ … فَوَابِلُهُمْ طَلٌّ وَطَلُّكَ وَابِلُ

كريمٌ متى اسْتُوهِبْتَ ما أنتَ رَاكبٌ … وَقد لَقِحتْ حَرْبٌ فإنّكَ نازِلُ

أذا الجُودِ أعْطِ النّاسَ ما أنتَ مالكٌ … وَلا تُعْطِيَنّ النّاسَ ما أنَا قائِلُ

أفي كلّ يوْمٍ تحتَ ضِبْني شُوَيْعِرٌ … ضَعيفٌ يُقاويني قَصِيرٌ يُطاوِلُ

لِساني بنُطْقي صامِتٌ عنهُ عادِلٌ … وَقَلبي بصَمتي ضاحِكٌ منهُ هازِلُ

وَأتْعَبُ مَنْ ناداكَ مَنْ لا تُجيبُهُ … وَأغيَظُ مَنْ عاداكَ مَن لا تُشاكلُ

وَما التّيهُ طبّي فيهِمِ غَيرَ أنّني … بَغيضٌ إليّ الجاهِلُ المُتَعَاقِلُ

وَأكْبَرُ تيهي أنّني بكَ وَاثِقٌ … وَأكْثَرُ مالي أنّني لَكَ آمِلُ

لَعَلّ لسَيْفِ الدّوْلَةِ القَرْمِ هَبّةً … يَعيشُ بها حَقٌّ وَيَهلِكُ باطِلُ

رَمَيْتُ عِداهُ بالقَوافي وَفَضْلِهِ … وَهُنّ الغَوَازي السّالماتُ القَوَاتِلُ

وقَدْ زَعَمُوا أنّ النّجومَ خَوالِدٌ … وَلَوْ حارَبَتْهُ نَاحَ فيها الثّواكِلُ

وَمَا كانَ أدْناها لَهُ لَوْ أرَادَهَا … وَألْطَفَهَا لَوْ أنّهُ المُتَنَاوِلُ

قَريبٌ عَلَيْهِ كُلُّ ناءٍ على الوَرَى … إذا لَثّمَتْهُ بالغُبَارِ القَنَابِلُ

تُدَبّرُ شرْقَ الأرْض وَالغرْبَ كَفُّهُ … وَلَيسَ لها وَقْتاً عنِ الجُودِ شَاغِلُ

يُتَبِّعُ هُرّابَ الرّجالِ مُرَادَهُ … فَمَنْ فَرّ حَرْباً عارَضَتْهُ الغَوَائِلُ

وَمَنْ فَرّ مِنْ إحْسَانِهِ حَسَداً لَهُ … تَلَقّاهُ منْهُ حَيثُما سارَ نَائِلُ

فَتًى لا يَرَى إحْسانَهُ وَهْوَ كامِلٌ … لهُ كامِلاً حتى يُرَى وهوَ شَامِلُ

إذا العَرَبُ العَرْباءُ رَازَتْ نُفُوسَها … فأنْتَ فَتَاهَا وَالمَليكُ الحُلاحِلُ

أطاعَتْكَ في أرْوَاحِهَا وَتَصَرّفَتْ … بأمرِكَ وَالتَفّتْ عَلَيْكَ القَبَائِلُ

وَكُلُّ أنَابِيبِ القَنَا مَدَدٌ لَهُ … وَما يَنكُتُ الفُرْسانَ إلاّ العَوَامِلُ

رَأيتُك لوْ لم يَقتَضِ الطّعنُ في الوَغى … إلَيكَ انقِياداً لاقتَضَتْهُ الشّمائِلُ

وَمَنْ لم تُعَلّمْهُ لكَ الذّلَّ نَفْسُهُ … منَ النّاسِ طُرّاً عَلّمَتْهُ المَناصِلُ