خَطَوْنا في الجِهادِ خُطاً فِساحا – أحمد شوقي

خَطَوْنا في الجِهادِ خُطاً فِساحا … وهادَنَّا، ولم نُلقِ السِّلاحَا

رضينا في هوى الوطنِ المفدَّى … دمَ الشهداءِ والماَ المطاحا

ولمّا سلّّت البيضُ المواضي … تقلدنا لها الحقَّ الصراحا

فحطَّمْنا الشَّكيمَ سِوَى بقايا … إذا عَضَّتْ أَرَيْناها الجِماحا

وقمنا في شِراعِ الحق نَلْقَى … وندفع عن جوانيه الرياحا

نعالج شدة ً، ونروض أخرى … ونسعى السعيَ مشروعاً مباحا

ونستولي على العقبات إلا … كمينَ الغيبِ والقدرَ المتاحا

ومنْ يصبرْ يجدْ طولَ التمنِّي … على الأَيام قد صار اقتراحا

وأَيامٍ كأَجواف الليالي … فقدنَ النجمَ والقمرَ اللياحا

قضيناها حيالَ الحربِ نخشى … بقاءَ الرِّق، أو نرجو السراجا

تَرَكْنَ الناسَ بالوادي قعودا … من الإعياءِ كالإبل الرَّزاحى

جنود السلم لا ظفرٌ جزاهم … بما صبروا، ولا موتٌ أَراحا

ولا تلْقى سوى حيٍّ كَميْتٍ … ومنزوفٍ وإن لم يسقَ راحا

ترى أسرى وما شهدوا قتالاً … ولا اعتقلوا الأسنَّة والصفاحا

وجَرْحَى السَّوْطِ لا جَرْحَى المواضي … بما عمل الجواسيسُ اجتراحا

صباحُك كان إقبالاً وسعداً … فيا يومَ الرِّسالة ِ، عِمْ صَباحا

وما تألوا نهاركَ ذكرياتٍ … ولا برهانَ عزتك التماحا

تكاد حِلاك في صفحات مصرٍ … بها التاريخُ يفتتح افتتاحا

جلالك عن سنا الأضحى تجلَّى … ونورك عن هلالِ الفطر لاحا

هما حقٌّ، وأنت ملئتَ حقَّا … ومثَّلتْ الضحيَّة َ والسماحا

بعثنا فيك هاروناً وموسى … إلى فرعونَ فکبتَدَآ الكفاحا

وكان أعزَّ من روما سيوفاً … وأطغى من قياصرها رماحا

يكاد من الفتوح وما سَقَتْهُ … يخالُ وراءَ هيكلهِ فتاحا

وردَّ المسلمون فقيل: خابوا … فيا لَكِ خيبة ً عادت نجاحا

أَثارت وادياً من غايَتَيْه … ولامت فرقة ً وأستْ جراحا

وشَدَّتْ مِن قُوَى قَومٍ مِراضٍ … عزائمهم فردَّتْها صِحاحا

كأن بلالَ نوديَ: قم فأذَّنْ … فرجَّ شعابَ مكة َ والبطاحا

كأَن الناس في دينٍ جديدٍ … على جنباته استبَقوا الصلاحا

وقد هانت حياتهمُ عليهم … وكانوا بالحياة ِ هُمُ الشّحاحا

فتسمع في مآتمهم غناءً … وتسمع في ولائمهم نُواحا

حواريينَ أوفدنا ثقاتٍ … إذا تركَ البلاغُ لهم، فصاحا

فكانوا الحقَّ منقبضاً حيياً … تحدَّى السيفَ مُنصلِتاً وَقاحا

لهم منَّا براءة ُ أهلِ بدرٍ … فلا إثماً نَعُدُّ ولا جُناحا

ترى الشَّحناءَ بينهم عِتاباً … وتحسب جدَّهم فيها مزاحا

جعلنا الخلدَ منزلَهم، وزدنا … على الخلدِ الثناءَ والامتداحا

يميناً بالتي يسعى إليها … غُدُوّاً بالندامة ، أَو رَوَاحا

وتَعبَقُ في أنوف الحجِّ رُكناً … وتحتَ جِباهِهم رَحْباً، وساحا

وبالدستور، وهْوَ لنا حياة ٌ … نرى فيه السلامة َ والفلاحا

أَخذناه على المُهَجِ الغوالي … ولم نأخذه نَيلاً مُستماحا

بنينا فيه من دمعٍ رواقاً … ومن دمِ كلِّ نابتة ٍ جناحا…

… لما ملأ الشبابَ كروح سعدٍ … ولا جعل الحياة َ لهم طماحا

سلواعنه القضية َ، هل حماها … وكان حمى القضية ِ مستباحا؟

وهل نظم الكهولَ الصِّيدَ صَفّاً … وألف من تجاربهم رداحا؟

هو الشيخُ الفتيُّ، لو استراحت … من الدأبِ الكواكبُ ما استراحا

وليس بذائقِ النومِ اغتباقاً … إذا دار الرقادُ، ولا اصطِباحا

فيالَكَ ضَيْغَماً سهِر الليالي … وناضل دونَ غايتِه، ولاحَى

ولا حَطَمَتْ لك الأَيامُ ناباً … ولا غضَّت لك الدنيا صياحا