جرتْ لها ببابلٍ يمينا – مهيار الديلمي

جرتْ لها ببابلٍ يمينا … سوانحٌ غرّاً لها وعينا

لا يتوقَّى عورَها وعضبها … من عيَّف الأعينَ والقرونا

فأبصرتْ حقّاً مناها في الحمى … وظنَّهابحاجرٍ يقينا

وأصبحتْ ترعى الخصيبَ قبلَ أن … تبلغه وتنهلُ المعينا

عازفة ً رافعة ً رءوسها … على الظَّما أن ترد الأجونا

نرجو بترك رزقها الناحل أن … تأكل من رزقِ غدٍ سمينا

موائرا تخلع من مراحها … على الرُّبى الأرسانَ والعهونا

خابطة ً أشناقها بسوقها … تحسبُ فرطَ حرصها جنونا

كأنَّ خرقاءَ الرياح شرَّعتْ … في لجَّة ِ الالِ بها سفينا

فبلغتْ أدعو لها وبلَّغتْ … وخانني من لم يقل آمينا

وأنتَ إن كنتَ رفيقا فأعدْ … ذكرَالحمى أطيبَ ما غنّينا

أعدْ فمن آية ِ سكّان الحمى … وذكرهم أن تطربَ الحزينا

يا جمعَ اللهُ قلوباباللّوى … بدَّدها اتباعها العيونا

وسرَّ حيّاً بالشُّريف أقسموا … لا فكَّ فادٍ عندهم رهينا

أمنتهم على الهوى فلم يكن … مودعُ قلبي منهمُ أمينا

يا حبّذا لحيِّهم بادية ٌ … وهبتُ فيها للجفاءِ اللينا

وحبَّ بعدَ الظلِّ في أن أصطلي … هاجرة ً وأصلا دخينا

والأرضُ مسّت تربها رياطهم … حتى ظننتُ رامة ً دارينا

جلوا دجاها ومشوا صباحها … يطارحون الهيفَ الغصونا

هم قوَّدوني وبرأسي نخوة … أن أستميح اللَّحزَ الضنينا

وهم أذالوا الشيبَ في مفارقي … بالصدِّ لا عدِّي له الخمسينا

ما أجلبَ الدهرُ عليَّ بالأذى … إلاّ أصابَ منهمُ معينا

أعدايَ أهوى قربهم كأنّهم … عضوٌ دوٍ أكرهُ أن يبينا

لا يبعد اللهُ الوفاءَ صاحباً … كان ولا أطمعُ ان يكونا

أعيت يدي حبالُ كلّ ناكثٍ … أفتلُ وهو يقطعُ القرينا

ولو سبرتُ الناسَ أو أعلقتها … مزرّعيّاً علقتْ متينا

إذاً لقامَ من عليٍّ دونها … خرقٌ يرى كلَّ عليٍّ دونا

غضبانُ أن يأكل ضيمٌ جارهُ … أو أن يبيتَ زاده ممنونا

إذا دعاه المجدُ قام ناهضا … فحمل الألوفَ والمئينا

جرى على واشجة ٍ من عرقه … لغاية ٍ أتعبتِ الساعينا

وبلغ الكمالَ نفسا وعُلاً … من قبل أن يبلغه سنينا

مباركٌ عمّته ولثمهُ … تلوثُ خدّ البدرِ والجبينا

تحسبُ من حيائه ورفدهِ … وجهاً مميها ويداً لبونا

تلقى السعودَ حيثما لقيته … تزجرُ منها طيرها الميمونا

أوفى على مرقبة ٍ من عزمهِ … مرقى النسورِ تطلبُ الوكونا

وهبَ من لسانه بصعدة ٍ … تغدر كلّ خصمٍ طعينا

من حاملُ الحاجة ِ عنّى راكبا … إلى العلا طريقها المسنونا

يقطعُ ما بيني وبين أربي … على دنوِّ الدار هذا البينا

يطوي السرى نهاره بليلهِ … جلدَ المطا والعيسُ قد ونينا

حرّاً إذا استودعتهُ وصيَّة ً … كان عليها الحازمَ المأمونا

قلْ للعميد مبلغاوإنما … تسمعُ منه السامعَ الأذينا

قد أخذ الشوقُ إليك جهدهُ … من قلبي النزاعَ والحنينا

وملَكَتْنيقبلَ أن تبتاعني … منك صفاتٌ طفنَ بي عِزينا

وجاءت الأنباءُ عنك فنشت … أنفاسنا أعطرَ ما يأتينا

في كلّ يومٍ خبرٌأنك من … لا تلدُ الأرضُ له قرينا

وأنَّ للفضل ومن متَّ به … منك مكانَ شعفٍ مكينا

محاسنٌ آثارها شاهدة ٌ … أنّ الرُّواة َ عنك يصدقونا

ونحن في دارٍ يرى المجدُ بها … أعمى وحظُّ أهلها مجنونا

إما لئيما يرتقى بشرِّه … فيها وإما فاضلا مسكينا

ولا صديقَ غيرُ ذي صنائع … أحسنُ ما يُحسنُ أن يخونا

فلا تسلْ عن نزواتِ كبدي … إلى علاك كلّما سمِّينا

وعن طماحِ مقلتي لنظر … إليك لا شزرا ولا مشفونا

فأقتضي من قربكم لبانة ً … ماطلني الدهرُ بها الديونا

فهل لذا الخاطب أن تُنكحَه … مودَّة ً حنَّ إليها حينا

يمهرُها الصونَ فإن أولدها … أولدها بمدحك البنينا

يعجبك اليومَ صديقا وغداً … ما عاش في الدهر أخاً خدينا

وجاليا وصفك في معارضٍ … يبقين والأيامُ قد فنينا

كلّ موشَّى حوكها موشَّع … تشري رخيصا بردها الثمينا

لو جدتَ بالشباب في ثوابها … كان سواك الخاسرَ المغببونا

وإن لويتَ عنقاً عن مثلها … جاءتك تسترفد آخرينا

كان عليك نصرها حقّاً بما … كنتَ بحاجات الندى ضمينا

تركتُها ساعية ً بنفسها … وراءَ قومٍ غيرِ عاطفينا

رشتُ لهم منها سهاما فضلوا … بحدِّها قومهمُ الماضينا

فملأتْ عرضَ الفلا بذكرهم … ونبذوا حقوقها ناسينا

فهل رضيتَ لهمُ ما أصبحوا … به من الحرمان لي راضينا

وإن أبيتَ فانتصر مستقبلا … لأخواتٍ حادثاتٍ حينا

اقض بحكم المجد لي عليهمُ … وظهر لها سرَّ الندى المكنونا

لم نعصِ أسبابَ الندى في مدحكم … فكيف تعصون السماحَ فينا