جربيني – محمد مهدي الجواهري

جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني … وإذا ما ذممتِني فاهجرِيِني

ويَقيناً ستندمينَ على أنَّكِ … من قبلُ كنتِ لمْ تعرفيني

لا تقيسي على ملامحِ وجهي … وتقاطيعِه جميعَ شؤوني

أنا لي في الحياةِ طبعٌ رقيقٌ … يتنافى ولونَ وجهي الحزين

قبلكِ اغترَّ معشرٌ قرأوني … من جبينٍ مكَّللٍ بالغُصونٍ

وفريقٌ من وجنتينِ شَحوبين … وقدْ فاتتِ الجميعَ عُيوني

إقرأيني منها ففيها مطاوي النفسِ … طُراً وكلُّ سرٍّ دَفين

فيهما رغبةٌ تفيضُ . وإخلاصٌ … وشكٌّ مخامرٌ لليقين

فيهما شهوةٌ تثورُ . وعقلٌ … خاذِلي تارةً وطوراً مُعيني

فيهما دافعُ الغريزةِ يُغريني … وعدوى وراثةٍ تَزويني

أنا ضدُّ الجمهور في العيشِ … والتفكيرِ طُرّاً . وضدُّه في الدِّين

كلُّ ما في الحياةِ من مُتَع العيشِ … ومن لذَّةٍ بها يزدهيني

التقاليدُ والمداجاةُ في الناسِ … عدوٌّ لكلِّ حُرٍّ فطين

أنجِديني : في عالمٍ تَنهشُ ” الذُئبانُ ” … لحمي فيه .. ولا تُسلِميني

وأنا ابن العشرين مَنْ مرجِعٌ لي … إنْ تقضَّتْ لذاذةَ العشرين

إبسِمي لي تَبسِمْ حياتي ، وإنْ كانتْ … حياةً مليئةً بالشُّجون

أنصِيفيني تُكفِّري عن ذُنوبِ … الناسِ طُرّاً فإنهمْ ظلموني

إعطِفي ساعةً على شاعرٍ حر … رقيقٍ يعيشُ عيشَ السجين

أخذتني الهمومُ إلّا قليلاً … أدركيني ومن يديها خذيني

ساعةً ثم أنطوى عنكِ محمولاً … بكُرهٍ لظُلمةٍ وسكون

حيث لا رونقُ الصباح يُحييِّني … ولا الفجرُ باسماً يُغريني

حيثُ لا ” دجلةٌ ” تلاعبُ جنبيها … ظِلالُ النخيلِ والزيِّتون

حيثُ صَحبي لا يملكونَ مُواساتي … بشيءٍ إلّا بأنْ يبكوني

مَتِّعيني قبلَ المماتِ فما يُدريكِ … ما بعدَه وما يُدريني

وَهبي أنَّ بعدَ يوميَ يوماً … يقتضيني مُخلِّفاتِ الدُّيون

فمَنِ الضامنونَ أنَّكِ في الحشرِ … إذا ما طلَبتِني تجديني

فستُغرينَ بالمحاسنِ رُضواناً … فيُلقيكِ بين حُورٍ وعِين

وأنا في جهنَّمٍ معَ أشياخٍ … غواةٍ بِغيَّهمْ غمروني

أحرَجتني طبيعتي وبآرائِهم … ازدَدْتُ بَلةً في الطين

بالشفيعِ ” العُريان ” استملكي خيرَ … مكانٍ . وأنتِ خيرُ مكين

ودعيني مُستعرضاً في جحيمي … كلَّ وجهٍ مُذمَّمٍ ملعون

وستُشجينَ إذ ترينَ معَ البُزلِ … القناعيسِ حيرةَ ابن اللبون

عن يساري أعمى المعرَّةِ و ” الشيخُ ” … الزهاويُّ مقعداً عن يميني

إئذَني لي أنزِلْ خفيفاً على صدركِ … عذْباً كقطرةٍ من مَعين

وافتحي لي الحديثَ تستملحي خفَّةَ … رُوحي وتستطيبي مُجوني

تعرِفي أنني ظريفٌ جديرٌ … فوقَ هذي ” النهود” أنْ ترفعني

مؤنِسٌ كابتسامةٍ حولَ ثغريكِ … جذوبٌ كسحرٍ تلكَ العيون

إسمحي لي بقُبلةٍ تملِكيني … ودعي لي الخَيارَ في التعيين

قرِّبيني من اللذاذةِ ألمَسْها … أريني بداعةَ التكوين

إنزليني إلى ” الحضيضِ ” إذا ما شئتِ … أو فوقَ ربوةٍ فضعيني

كلُّ مافي الوجودِ من عقباتٍ … عن وصولي إليكِ لا يَثنيني

إحمليني كالطفلِ بين ذِراعيكِ … احتضاناً ومثلَه دَّلليني

وإذا ما سُئلتِ عني فقولي … ليسَ بِدعاً إغاثةُ المسكين

لستُ أُمّاً لكنْ بأمثالِ ” هذا ” … شاءتِ الأُمهات أنْ تبتليني

أشتهي أنْ أراكِ يوماً على ما … ينبغي مَن تكشُّفٍ للمصُون

غيرَ أني أرجو إذا ازدهتِ النفسُ … وفاضَ الغرامُ أنْ تعذُريني

” اِلطمِيني “إذا مَجُنتُ فعمداً … أتحرَّى المجونَ كي تَلْطمِيني

وإذا ما يدي استطالتْ فمِنْ شَعركِ … لُطفاً بخُصلةٍ قيِّديني

ما أشدَّ احتياجةِ الشاعر الحسَّاسِ … يوماً لساعةٍ مِن جنون