ثورة النفس – محمد مهدي الجواهري

سكُت وصدري فيه تغلي مراجلُ … وبعض سكوتِ المرءِ للمرءِ قاتلُ

وبعضُ سكوتِ المرءِ عارٌّ وهُجْنَةٌ … يحاسَبُ من جّراهُما ويُجادَل

ولا عجبٌ أنْ يُخْرِسَ الوضعُ ناطقاً … بلى عجبٌ أنْ يُلْهَمَ القولَ قائل

جزى الله والشعرُ المجوَّدُ نَسْجُهُ … بأنكد ما تُجْزَى لئامٌ أراذل

مخامِرُ غدرٍ طوَّحَتْ بي وعودُهُ … فغُِررتُ والتفَّتْ علىَّ الحبائل

وكنتُ امرَءاً لي عاجلٌ فيه بُلْغَةٌ … سدادٌ ومرجُوٌّ من الخير آجل

رخياً أمينَ السربِ محسودَ نِعمةٍ … تَرِفُّ على جنَبيَّ منها مباذل

فغُودرتُ منها في عَراءٍ تَلُفُّني … مَفاوِزُ لا أعتادُها ومجاهل

طُموحٌ إلى الحتفِ المدبَّر قادني … وقد يُزهِقُ النفسَ الطُموحُ المُعاجل

كَرِهْتُ مداجاةً فرُحْتُ مشاغبا … ولم يُجدِني شَغْب فرُحْتُ أُجامل

وأغْرقْتُ في إطراءِ من لا أهابُه … وساجلت بالتقريع من لا يساجَل

وأصْحَرْتُ عن قلبي فكان تكالُبٌ … عليّ لإصحاري وكان تواكُل

نزولاً على حكمٍ وحفظاً لغاية … يكون وسيطاً بينهن التعاُدل

وما خِلْتُني عبْءا عليهم وأنهم … يريدون أن يُجتَثَّ متنٌ وكاهل

ولما بدا لي أنه سدُّ مَخْرَجٍ … وقد أُرتِجَ البابُ الذي أنا داخل

وأخلَتْ صدورٌ عن قلوبٍ خبيثةٍ … ولاحت من الغدرِ الصريحِ مخايل

رجعت لعُش ٍّ مُوحشٍ أقبلتْ به … علي الهمومُ الموحشاتُ القواتل

وكنتُ كعُصفورٍ وديعٍ تحاملت … عليه ممن الستِ الجهاتِ أجادِل

ورَوَّضْتُ بالتوطينِ نفساً غريبةً … تراني وما تبغيه لا نتشاكل

وقلتُ لها صبراً وان كان وطؤهُ … ثقيلا ولكن ليس في الحزن طائل

وكَظْمُ الفتى غيظاً على ما يسوؤه … من الأمر دربٌ عبَّدته الأماثل

ولِلعْقلِ من معنى العقالِ اشتقاقُه … إذا اقتِيدَ إنسان به فهو عاقل

وكنتُ ودعوايَ احتمالا كفاقدٍ … حُساماً وقد رَفَّت عليه الحمائل

حبستُ لساني بين شِدْقَيَّ مُرغماً … على أنه ماضي الشَّبا إذ يناضل

وعهدي به لا يُرسلُ القولَ واهناً … ولا في بيانٍ عن مرادٍ يعاضل

وبيني وبينَ الشعرِ عهدٌ نكثتُه … ورثَّتْ حبالٌ أُحكِمَتْ ووسائل

وجهّلتُ نفسي لا خمولا وإنما … تيقنت – ان السيّدَ المتجاهل

وما خلت أني في العراق جميعِه … سأفقِدُ حراً عن مغيبي يسائل

سَتَرْتُ على كَرْهٍ وضِعْنٍ مَقاتلي … إلى أن بدتْ للشامتينّ المقاتل

أهذا مصيري بعد عشرين حِجَّةً … تحلت بأشعاري فهن أواهل ؟

أهذا مصيرُ الشعرِ ريّانَ تنتمي … إليه القوافي المغدقاتُ الحوافل؟

سلاسلُ صِيغتْ من معانٍ مُبَغَّضٍ … لها الذهبُ الأبريزُ وهو سلاسل

ومن عجبٍ أنّ القوافي سوائلا … اذا شُحِذَتْ للحَصْدِ فِهي مَناجل

وهنَّ كماءِ المُزْنِ لطفاً ورقةً … وهنَّ إذا جدَّ النضالُ مَعاول

فأمّا وقد بانت نفوسٌ وكُشِّفَتْ … ستائرُ قومٍ واستُشِفَّت دخائل

ولم يبق إلا أن يقالَ مساومٌ … أخو غرضٍ أو ميّتُ النفسِ خامل

فلا عذرَ للأشعار حتى يردَّها … إلى الحق مرضيُّ الحكومةِ فاصل

لأمِّ القوافي الويلُ إن لم يَقُمْ لها … ضجيجٌ ولم ترتجَّ منها المحافل

سأقذِفُ حُرَّ القولِ غيرَ مُخاتِل … ولا بدّ أن يبدو فيُخْزَى المُخاتل

لئن كان بالتهديم تُبْنى رغائبٌ … وبلخبط والتكديرِ تصفو مناهل

وإن كان بالزلفى يؤمَّلُ آيسٌ … وبالخُطَّةِ المُثلى يُخيَيَّبُ آمل

فَلَلْجهلُ مرهوبُ الغرارين صائبٌ … ولَلْحِلْمُ رأيٌ بَيّنُ النقصِ فائل

ولَلْغَرَضُ الموصومُ أعلى محلةً … من المرءِ منبوذاً علته الأسافل

أرى القومَ من يُقرَّبْ إليهِمُ … ومن يَجْتَنِبْ يَكْثُرْ عليه التحامل

على غيرِ ما سنَّ الكرامُ وما التقت … عليه شعوبٌ جمةٌ وقبائل

فلا ينخدعْ قومٌ بفرط احتجازةٍ … تَخَيَّلَ أني قُعْدُدٌ متكاسل

فإني لذاكَ النجمُ لم يخبُ نَوُؤه … ولا كَذَبَتْ سيماؤُه والشمائل

وما فَلَّتِ الايامُ مني صرامة … ولا زحزحت علمي بانيَ باسل

ولكنني مما جناه تسرُّعٌ … توهمت أنَّ الأسْبَقَ المتثاقل

وإنّي بَعْدَ اليومِ بالطيش آخذُّ … وإني على حكمٍ الجهالةِ نازل

وإني لوثابٌ إلى كل فرصةٍ … تعِنُّ وعدّاءٌ إليها فواصل

بخيرٍ وشرٍ ان ما ادرك الفتى … به سُؤْلَه فهو الخدينُ المماثل

وأعلَمُ علماً يقطعُ الظنَّ أنَّه … لكلِ امرئٍ في كلِّ شيءٍ عواذل

فانْ لم يقولوا إنَّه مُتعنِّتٌ … عَنُودٌ يقولوا مُصْحِبٌ متساهل

تخالُفَ أذواقٍ وبغياً وإثْرَةً … ومن آدمٍ في العيش كان التّقاتُل

فما اسطعتَ فاجعلْ دأبَ نفسِكَ خَيرَها … ولا تُدخِلَنَّ الناسَ فيما تحاول

فما الحرّ إلا من يُشاورُ عَقْلَهُ … وأمُّ الذي يستنصِحُ الغيرَ ثاكل

نَصيحُكَ إما خائفٌ أو مغَرَّرٌ … كلا الرجلينِ في الملماتِ خاذل

وبينهما رأيٌ هو الفصلُ فيهما … ومعنىً هو الحقُ الذي لا يجادَل

على أنها العقبى – فباطلُ ناجحٍ … يَحِقُّ . وحق العاثرِ الجَدِّ باطل