ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ – مصطفى صادق الرافعي
ثوب السماءِ مطرزٌ بالعسجدِ … وكأنها لبستْ قميص زبرجدِ
والشمسُ عاصبةُ الجبينِ مريضةٌ … تصفرُ في منديلها المتورَّدِ
حسدتْ نظيرتها فأسقمها الأسى … إن السقامَ علامةٌ في الحسَّدِ
ورأت غبارَ الليلِ ينفضِ فوقها … في الأفقِ فانطبقتْ كعينِ الأرمدِ
ومضى النهارُ يشقُّ في أثوابهِ … حزناً وأقبلَ في رداءٍ أسودِ
فتهللتْ غررُ النجومِ كأنما … كانت لضاحيةِ السماءِ بمرصدِ
وكأنها عقدٌ تناثرَ درُّهُ … من جيدِ غانيةٍ ولم تتعمدِ
أو حلي رباتِ الدلالِ أذلنهُ … شتَّى يروحُ على النهودِ ويغتدي
والأفق بينَ مفضضٍ ومذهبٍ … كالجيدِ بينَ معطَّلٍ ومقلَّدِ
وكأن صفحةَ بدرهِ إذ أشرفتْ … مصقولةَ الخدينِ صفحةَ أمردِ
وكأنَّ ضوءَ الفجرِ رونقُ صارمٍ … نضيتْ صفيحتهُ ولما تغمدِ
والأرضُ في حللِ كُستْ أطرافها … إلا معاصمَ نهرها المتجردِ
حفتْ جوانبهُ الرياضُ كأنها … وشيُ الفرندِ على غرارِ مهندِ
وكأنهُ صدرُ المليحةِ عارياً … ما بينَ لبتها وبينَ المعقدِ
وكأنَّ أثواب الرياض من الصبا … عبقتْ بأنفاس الحسانِ الخُرَّدِ
يمشي النسيمُ خلالها مترنحاً … بينَ الغديرِ وبينَ ظلٍّ أبردِ
والطيرُ مائلةٌ على أوكارها … منها مغردةٌ وغيرُ مغرِّدِ
باتتْ تناغي لا تحاذرُ فاجعاً … مما نكابدُ في الزمانِ الأنكدِ
يا طيرُ ما في العيشِ إلا حسرةً … إن خلتها نقصتْ قليلاً تزددِ
لم يمنعِ القصرُ المشيدُ ملوكهُ … منها فكيفَ وفاكها الغصنُ الندي
تأبى على الأحرارِ إلا ذلَّةً … ولو أنهم صعدوا ومدارَ الفرقَدِ
فانعم بوكركَ إنه لكَ جنةٌ … كالخلدِ لولا أنت غيرُ مخلدِ
كم واجدٍ منها تقاذفَ قلبهُ … ذاتُ الدلالِ فإن دنا هو تبعدِ
فتاكةُ الألحاظِ أنى يممتْ … سمعتَ زفيرَ متيَّمٍ متنهدِ
كالبدرِ لولا أنها أنسيةٌ … والشمسِ لولا أنها لم تعبدِ
قالتْ عشقتَ وما قضيتَ كمن قضوا … هذا الطريقُ إلى الردى فتزودِ
دعْ عنكَ أمرَ غدٍ إذا ما خفتهُ … يوماً لعلكَ لا تعيش إلى غدِ
فلقد أراك اليومَ من أثرِ الهوى … كالشمسِ إن لم تحتجبْ فكأنّ قدِ