تُعاتِبُني على شُرْبِ اصْطِباحِ، – أبو نواس

تُعاتِبُني على شُرْبِ اصْطِباحِ، … و وَصْلِ الليْلِ من فلَقِ الصّباحِ

و ما عَلمَتْ بأنّي أرْيحيّ ، … أحبّ منَ النّدامى ذا ارْتِياحِ

فربّ صَحابة ٍ بِيضٍ، كِرَامٍ، … بَهالِيلٍ، غَطارِفَة ٍ، صِباحِ

صرَفتُ مطِيّهمْ حيْرَى ، طِلاحاً، … وقد سُدّتْ أسالِيبُ الرّياحِ

وقامَ الظلّ فوْقَ شِرَاكِ نَعْلٍ، … مَقامَ الرّيشِ في ثِنْيِ الْجَناحِ

إلى حاناتِ خمرٍ في كُرُومٍ … مُعَرَّشَة ٍ، مُعَرَّجَة ِ النّواحي

فأقبلَ ربُّها يسْعى إلينا … يُهَنّىء ُ بالفَلاحِ، وبالنّجاحِ

فقلتُ : الخمرَ‍ قال: نعمْ وإني … بها لِبَني الكِرَامِ لَذو سَماحِ

فجاءَ بها تَخُبُّ كماءِ مُزْنٍ، … وأنْشأ مُنْشِداً شِعْرَ اقترَاحِ:

أتَصحو أم فؤادك غيرُ صاحٍ ، … عشِيَّة َ هَمَّ صَحْبكَ بالرّواحِ

فبتُّ لدى دساكرِهِ عَروساً … بعَذْرَاوَيْنِ من ماءٍ وراحِ

ودارَ بِكَأسِنا رشَأ رخيمٌ، … لطيفٌ الكشْحِ ، مهضُومُ الوِشاحِ

وقال: أتَبْرحونَ غداً ؟ فقُلنا: … وكيفَ نُطيقُ بَعْدَكَ من رَوَاحِ

فخاتلنا ؛ فأسْكَرَنا ، فنمْنا … إلى أن هَمَّ ديكٌ بالصّياحِ

فقُمْتُ إليهِ أرْفُلُ مستقيماً … وقد هيّأتُ كبْشي للــنطـاحِ

فلمّا أنْ ركَزْتُ الرّمْحَ فيهِ … تنبّهَ كالرّقيدِ من الجراحِ

فقلتُ له: بحقّ أبيكَ سَهلٌ … فلا تُحْوِجْ إلى سفْحِ التّلاحي

فقال: لقدْ ظَفِرْتَ فنَلْ هنيئاً … بإسْعافٍ، وبذلٍ مُسْتَباحِ

فلمّا أن وضعتُ عليهِ رحلي … تبَدّى مُنشِداً شِعرَ امْتداحِ:

«ألَسْتُمْ خير مَن ركبَ الْمَطايا … و أنْدَى العالمينَ بطونَ راحِ ‍