تمضي وأنت مضنة الأوطان – جبران خليل جبران

تمضي وأنت مضنة الأوطان … ودريئة ذخرت لهذا الآن

عذرا إذا الم الثكول تولت … وفقيدها هو آثر الفتيان

كانت مقلدة قلادة أنجم … زهر يزين نظامها قمران

فتناثرت منها الكواكب وانطوى … قمر فكن عزاؤها فيا لثاني

حتى إذا ما انقض جدد رزؤه … أرزاءها وقضى عل السلوان

عودا بنا نعرض جهودا كرست … للمجد صرحا باذخ البنيان

في عرضها عظة على تكرارها … تزكو وإتتك ملء كل جنان

إني لأحضرها وقلبي سامع … عتبا تردده بغي لسان

تلك المنى نثرت لهن دماؤكم … ومهرن بالأرواح والبدان

ألمثل ما أفضت إليه حالكم … يا قوم من خلف ومن خذلان

من ذا يرد على البلاد واهلها … عهد الوئام وقوة الإيمان

زعماؤها متكافلون ونشئها … أجنادهم بالطوع واّعان

العيش تكسوه المفاخر نضرة … والأرض تسفى بالنجيع القاني

إن أطلقوا أو قيدوا إن أموا … أو شردوا حالاهم سيان

وزماجر الإيعاد في أسماعهم … أشابه مطربة من الألحان

حتى الإناث لم يكن من شأنها … خوض الغمار بجانب الذكران

برزت إلى الساحات لا يعتاقها … خفر وهل خفر بدار هة ان

ألجايات الورد رامت حظها … في كل مرمى من رصاص الجاني

يا حسنها وبنانها مخضوبة … بجراح من تأسو من الشجعان

في ذلك الزمن الكبير بما جرى … فيه وإن هو قل في الأزمان

وتبينوا خطر اللداد فلينوا … من جفوة الجبروت والسلطان

ومشوا إلى زعماء مصر كما مشى … اقران مملكة إلى اقران

ماذا بلوا من ظرف عدلي ومن … راي يدار ومن ثبات جنان

يتساجلون وفي المساجلة الهدى … إذ تبرأ النيات من ادران

ويروح عدلي ويغدو ساعيا … لبقا إلى الغايات في اطمئنان

لم يعد أحكم خطة يختطها … فيما يباعد تارة ويداني

إن ينقصم سبب يصله وإن يقع … خطل يذه بمقاطع البرهان

إيمانه الوضاح نجم ثابت … في القطب والأفلاك في الدوران

يقع اختلاط الراي غلا حيثما … يبدو سناه لمقلة الحيرا

ما زال يدفع غاصبي أوطانه … حتى أدال الله للأوطان

أما سريرته وسيرته فلم … تتخالفا في السر والإعلان

لم يشهد الندمان عدليا إذا … رفع الوقار بمجلس الندمان

كلا ولم ير في مقام رصانة … متكلما كتكلم النشوان

كلا ولم تشغله ذات خلاعة … كلا ولم تفتنه بنت دنان

أما شمائله ففي نفحاتها … عبق القرابة من أولي التيجان

ولها حلى مما تلاحظه النهى … في اللوذعي العاطل المزدان

آدابه آداب إنسان إذا … كملت معاني النبل في الإنسان

يهدي ابتسامته على قدر فما … هو بالسخي بها ولا الضنان

إن ابتسامات الوجوه كثيرة … درجاتها ولها لطاف معان

وتبسط المعطي بها من نفسه … غير التبسط من عطاء بنان

أخلاقه كملت مصفاة فما … شيبت بشائبة من النقصان

يرعى كرامته ويحذر كل ما … يزري بجانبها الرفيع الشان

واللطف باد والإباء ممثل … في شخصه المتأنق المتواني

والحلم فيه سجية ملكية … فوق القلى والغل والعدوان

من يغتفر لعدوه وصديقه … ذنبا فتلك نهاية الإحسان

فليجمل الله العلي ثوابه … ويقره في خالدات جنان