ترى كل منشق القميص كأنما – الفرزدق
تَرَى كُلّ مُنشَقّ القَميصِ كَأنّما … عَلَيْهِ بِهِ سِلْخٌ تَطِيرُ رَعَابِلُهْ
سَقاهُ الكَرَى الإدْلاجُ حتى أمَالَهُ … عَنِ الرّحْلِ عَيْناً رَأسُهُ وَمَفاصِلُهْ
وَنَادَيْتُ مغْلوْبِينَ هَلْ من مُعاوِنٍ … على مَيّتٍ يَدنُو من الأرْضِ مائلُهْ
فَمَا رَفَعَ العَيْنَيْنِ حتى أقَامَهُ … وَعِيدِي، كَأنّي بِالسّلاحِ أُقَاتِلُهْ
أقَمْتُ لَهُ المَيْل الذي في نُخاعِهِ … بتَفْدِيَتي، واللّيْلُ داجٍ غَياطِلُهْ
قد اسْتَبْطَأتْ مني نَوَارُ صَرِيمَتي، … وَقَد كان هَمّي يَنفُذُ القلبَ داخِلُهْ
رَأتْ أيْنُقاً عَرّيْتُ عاماً ظُهُورَهَا، … وَما كانَ هَمّي تَسْترِيحُ رَوَاحِلُهْ
حَرَاجِيجُ، لمُ يَتْرُكْ لَهُنّ بَقِيّةً، … غُدُوُّ نَهَارٍ دايِمٍ، وَأصَايِلُهْ
يُقاتِلنَ عن أصْلابِ لاصِقَةِ الذُّرَى، … مِنع الطّيْرِ غِرْباناً عَلَيها نَوَازِلُهْ
فَإنْ تَصْحَبِينَا يا نَوَارُ تُنَاصِفي … صَلاتَكِ في فَيْفٍ تكُرّ حَوَاجِلُهْ
مَوَاقِعَ أطْلاحٍ على رُكَبَاتِهَا … أُنيخَتْ وَلَوْنُ الصّبحِ وَرْدٌ شَوَاكلُهْ
وَتَخْتَمري عَلى عجلى ظَهرِ رَسْلَةٍ … لِها ثَبَجٌ عَاري الَمعَدَّين كاهِلُهْ
وَما طَمِعَتْ بِالأرْضِ رَائِحَةً بِنا … إلى الغَدِ حَتى يَنْقُل الظّلَّ نَاقِلُهْ
تَسُومُ المَطايا الضّيمَ يَحفِدنَ خَلفَها … إذا زَاحَمَ الأحقابَ بالغَرْض جائلُهْ
ولَمّا رَأتْ ما كان يَأوِي وَرَاءَها، … وَقُدَّامَها قَدْ أمْعَرَتْهُ هَزَايِلُهْ
كَبابٌ مِنَ الأخْطارِ كانَ مُرَاحُهُ … عَليها فأوْدى الظّلْفُ مِنهُ وَجامِلُهْ
بكَتْ خَشيةَ الإعطابِ بالشأمِ إنْ رَمى … إلَيْهِ بِنَا دَهْرٌ شَدِيدٌ تَلاتِلُهْ
فَلا تَجْزَعي، إني سأجْعَلُ رِحْلَتي … إلى الله والبَاني لَهُ، وَهْوَ عامِلُهْ
سُلَيْمانُ غَيْثُ المُمْحِلِينَ وَمَنْ بهِ … عن البائسِ المِسكينِ حُلّتْ سَلاسلُهْ
وَمَا قام مُذْ ماتَ النّبيُّ مُحَمّدٌ … وَعُثمانُ فَوْقَ الأرْضِ رَاغٍ يعادلُهْ
أرى كلَّ بَحْرٍ غَيرَ بحرِكَ أصْبَحَتْ … تَشَقَّقُ عَن يَبسِ المَعينِ سَوَاحِلُهْ
كَأَنَّ الفُراتَ التجَوْنَ يَجْري خبَابُهُ … مُفَجّرَةً بيْنَ البيُوتِ جَدَاوِلُهْ.
وَقَدْ عَلِموا أنْ لَنْ يميلَ بك الهَوى، … وَمَا قُلْتَ من شَيء فإنّكَ فاعلْهُ
ومَا يَبتَغي الأقْوامُ شيَئاً وَإنْ غَلا … مِنَ الخَيرِ إلاّ في يَدَيْكَ نَوَافِلُهْ
أرى الله في تِسْعِينَ عاماً مَضَتْ لَهُ … وَسِتٍّ مَعَ التّسعينَ عادتْ فَواضِلُهْ
عَلَيْنَا، وَلا يَلْوِي كما قَد أصَابَنا … لدَهْرٍ عَلَينا، قَد ألحّتْ كَلاكِلُهْ
تَخَيّرَ خَيْرَ النّاسِ للنّاسِ رَحَمَةً، … وَبَيْتاً، إذا العاديُّ عُدّتْ أوَائِلُهْ
وَكَانَ الّذي سَمَّاهُ باسْمِ نَبِيّهِ … سُلَيْمانَ إنّ الله ذا العَرْشِ جاعلُهْ
عَلى النّاسِ أمْناً، واجْتِماعَ جَماعَة، … وَغَيْثَ حَياً للنّاسِ يُنْبِتُ وَابِلُهْ
فأحْيَيْتَ مَنْ أدْرَكْتَ مِنّا بسُنّةٍ … أبَتْ لمْ يُخالِطْها مَعَ الحَقّ باطِلُهْ
كَشفْتَ عن الأبْصَارِ كُلَّ عَشاً بها، … وَكُلُّ قَضَاءٍ جَائرِ أنْتَ عَادِلُهْ
وَقَدْ عَلِمَ الظُّلْمُ الّذي سَلّ سَيفَه … على النّاسِ بالعُدْوَانِ أنّكَ قاتِلُهْ
وَلَيسَ بمُحيي الناسِ مَن ليس قاضياً … بحقٍّ ولمْ يُبْسَطْ على النّاسِ نايِلُهْ
فَأصْبَحَ صُلْبُ الدّينِ، بعْدَ التوَائه … على النّاسِ بالمَهديّ، قُوّمَ مايِلُهُ
حَمَلْتَ الذي لمْ تحملِ الأرْضُ وَالتي … عَلَيْها فأدّيْتَ الّذي أنْتَ حامِلُهْ
إلى الله مِنْ حَمْلِ الأمانَةِ بَعْدَما … أُضِيَعَتْ وَغَالَ الدّين عَنّا غَوايلُهُ
جَعَلْتَ مكان الجَوْرِ في الأرْض مثلَه … من العَدلِ إذْ صَارَتْ إليكَ مَحاصِلُهْ
وَما قُمتَ حتى استَسَلَمَ الناسُ وَالتقى … عَليهمْ فمُ الدّهرِ العضُوضِ بِوَازِلُهْ
وَحَتى رَأوْا مَنْ يَعْبُدُ النّارَ آمِناً … لِ جارُهُ، والبيتَ قَد خافَ داخِلُهْ
فَأضْحَوْا بإذْنِ الله بَعْدَ سَقامِهمْ … كذي النّتفِ عادتْ بعد ذاك نَواصِلُهْ
رَأيتُ ابن ذُبْيانٍ يَزِيدَ رَمَى بِهِ … إلى الشأمِ يَوْمَ العَنزِ والله شَاغِلُهْ
بعَذْرَاءَ لمْ تَنكِحْ حَليلاً، وَمن تلجْ … ذِرَاعَيْهِ تَخْذُلْ ساعِدَيْهِ أنامِلُهْ
وَثِقْتُ لَهُ بِالخِزْيِ لَمّا رَأْيْتُهُ … على البَغلِ مَعدُولاً ثِقالاً فَرَازِلُهْ