تحلَّبتِ الأنواءُ بعد جمودها – ابن الرومي
تحلَّبتِ الأنواءُ بعد جمودها … وأقبلتِ الخيراتُ بعد صدودها
بوجه أبي الصقر الذي راح واغتدى … كشمس الضحى محفوفة بسُعودها
ولما أتى بغداد بعد قنوطها … وفترة داعيها وإيباس عُودِها
إذا ظلَلٌ قد لوحتْ ببروقها … إلى ظُللٍ قد أرجفت برعودها
سحائبُ قيست بالبلاد فألِقيتْ … غطاءٌ على أغوارها ونجودها
حَدَتْها النُّعامى مثقلاتٍ فأقبلتْ … تَهادى رُويداً سيرُها كركودها
غُيُوثٌ رأى الإمحالُ فيها حمامهُ … قرينَ حياة ِ الأرض بعد هُمودها
أظلَّت فقل الحرثُ والنَّسْلُهذه … فُتُوح سماءٍ أقبلت في سدودها
فأطفأ نيران الغليل مواطرٌ … مُضرّمة ٌ نيرانها في وقودها
سقتنا ونيران الصدى كبروقها … فقد بردت أكبادنا ببرودها
ولم نسقَ إلا بالوزير ويمنِهِ … فبوركَ في أيامه وعهودها
دعا اللَّه لما أغبرَّت الأرض دعوة … بأمثالها تغدوا الرُّبى في برودِها
فكم بركاتٍ أذعنت بنزولها … لدعوته إذ أمعنت في صعودها
سما سَموة ً نحو السماء بغرَّة … مُسوَّمة ٍ قدماً بسيما سجودها
وكَفَّينِ تستحيي السماءُ إذا رأت … رُفودهُما من ضنِّها برفودها
فلمَّا تلقتها الثَّلاثُ رعتْ لها … مع الجاهِ عند اللَّه حُرمة َ جُودِها
فجادت سماءُ اللَّه جوداً غدت له … عقيمُ بقاع الأرضِ مثلَ وَلُودِها
بغاشية ٍ من رحمة اللَّه لم ترثْ … نسيَّاتُها إلاَّ كَرَيثِ نقودها
سقتنا ومرعانا فروَّت وأفضلت … لِدجلة َ فضلاً فاغتدت في مدودها
حَيَّاً جعلت فيه الحياة فأصبحتْ … بناتُ الثَّرى قد أنشرتْ من لحودها
فمنْ مُبلغٌ عنَّا الأمير رسالة … فلا برحتْ نُعماكَ داءَ حَسُودها
بقيتَ كما تبقى معاليك إنها … تبيدُ الهضابُ الشمُّ قبل بيودِها
رأيناكَ ترعانا بعينٍ ذكيَّة ٍ … أتى النَّاسَ طُرّاً نومهمْ من سُهُودها
هي العينُ لم تُوثِر كَرَاها ولم يزلْ … تَهَجُّدُها أولى بها من هُجُودها
ونعماك في هذا الوزير فإنَّنا … نعوذُ بنعمى ربِّنا من جحودها
وكيف جحود الناس نعماءَ مُنعمٍ … تناغى بها أطفالهمْ في مهودها
لَعمريلقد قَلّدْتَهُ الأمرَ كافياً … يَلَذُّ التي أعيتْ شِفاءَ لدُودِها
وزيرٌ إذا قاد الأمورَ تتابَعَتْ … فأصبَحَ آبيهَا جنيبَ مَقُودِها
أخو ثقة ٍ لو حارب الأُسْدَ أذْعَنَتْ … أو الجنَّ ذلَّتْ بعد طولِ مُرُودها
مَليٌّ بأنْ يغشى الغِمارَ وأنْ يرى … مصادِرَها بالرأْي قبل وُرُودها
وذو طاعة للَّه في كل حالة … ومعصية ٍ للنفس عند عُنُودِها
صَدُوعٌ بأحكام الكتابِ مُعَوِّدٌ … عَزَائمهُ التوْقِيفَ عند حدُودها
وَهَت قُبَّة ُ الإسلام حتى اجْتَبيتَهُ … فقد أصبحتْ مَعْمُودة ً بِعَمُودِها
بآرائه أضحتْ سيوفُكَ تُنْتَضَى … فَتُغْمَدُ من هَامِ العدا في غمُودِها
غَدا خَيْر ذي عَونٍ لسيِّدِ أمَّة ٍ … وأَكْلأَ ذِي عَينٍ لِسَرْحِ مَسُودهَا
كفى كلَّ ما تكفي الكُفَاة ُ مُلوكها … بِنُجْحِ مساعيها ويُمْنِ جُدُودها
فقد أخمد النِّيرانَ بعد اسْتِعارها … وقد أوقَدَ الأنوارَ بعدَ خُمودها
ويكْفيه إنْ خانَ الشهادة َ خائنٌ … بما اسْتَشهَدَتْ آثاره من شُهُودها
أتانا ودُنْيانا عجوزٌ فأصبحَتْ … به ناهداً في عنفوانِ نُهودها
فقدْ قُيِّدَتْ عنَّا المخاوفُ كلُّها … وقد أُطلِقَتْ آمالُنا من قُيودها
بذي شَيَمٍ يُصْبيكَ حُسنُ وجُوهِها … ولينُ مَثانِيها وجَدْلُ قُدُودها
حمانا وأَرْعانا حِمى كلَّ ثرْوة ٍ … وأبدَلَنا بيضَ الليالي بسُودِها
فأضحى ولو تَسطِيعُ كلُّ قبيلة ٍ … وَقَتْ نَعْله مَسَ الثَّرَى بخدُودِها
تأَلَّفَ وَحْشِيَّ القُلوب بلْطفِهِ … فأضْحى مُعاديها لهُ كَوَدُودِها
وفَى َوعَفا عن كلِّ صاحبِ هفْوة ٍ … وكابدَ ما دون العُلا من كُؤُودها
بنفسٍ أبتْ إلا ثَباتَ عُقُودِها … لمنْ عَاقَدَتْهُوانْحِلاَلَ حُقُودها
ألاَ تلْكُمُ النفسُ التي تَمَّ فضْلُها … فما نَستَزِيدُ اللَّهَ غيرَ خُلُودها
وإن عُدَّتِ الأحسَابُ يوماً فإنَّما … يُعدُّ من الأحساب رَمْلُ زَرُودِها
مَفاخرُ عنْ آبائِهِ وبِنفسه … نُفُوذُ حصى الإحصاءِ قبل نُفُودِها
تداركَ إسماعيلُ للعَربِ العُلاَ … فعادتْ لإِسمَاعيلها ولِهُودِها
فتى ً من بني شيْبَانَ في مُشْمَخِرَّة ِ … شَديد على الرَّاقي رُقيَّ صُعُودِها
نَمَتهُ من العَلْيَا جبالُ صُقُورها … وحفّت جَنَابيهِ غِياضُ أُسُودها
فتى ً لعطاياه وفودٌ تَؤمُّها … فَإن قعدُوا كانتْ وفُودَ وفُودها
إذا بَدْءُ ما أعطى أنَامَ عُفَاتَهُ … سرى عوْدُهُ مُستَيْقظاً لرُقودها
ولمَّا رَحلتُ العِيسَ نحو فِنائه … ضَمنتُ عليه عِتْقَهَا من قُتُودها
أمِنْتُ على نعمائه رَيْبَ دهره … ولمْ لاَ وذاك العُرفُ بعضُ جُنُودِها