بقائي شاء ليس هم ارتحالا – المتنبي

بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ ارْتِحالا … وحُسْنَ الصّبرِ زَمّوا لا الجِمالا

تَوَلّوْا بَغْتَةً فَكَأنّ بَيْناً … تَهَيّبَني فَفاجأني اغْتِيالا

فكانَ مَسيرُ عيسِهِمِ ذَميلاً … وسَيْرُ الدّمْعِ إثْرَهُمُ انهِمالا

كأنّ العِيسَ كانَتْ فَوْقَ جفني … مُناخاتٍ فَلَمّا ثُرْنَ سَالا

وحَجّبَتِ النّوَى الظّبَيَاتِ عني … فَساعَدَتِ البراقِعَ والحِجالا

لَبِسْنَ الوَشْيَ لا مُتَجَمّلاتٍ … ولكِنْ كَيْ يصنّ بهِ الجَمَالا

وضَفّرْنَ الغَدائِرَ لا لحُسْنٍ … ولكنْ خِفنَ في الشّعَرِ الضّلالا

بِجِسْمي مَنْ بَرَتْه فلَوْ أصارَتْ … وِشاحي ثَقْبَ لُؤلُؤةٍ لجَالا

ولَوْلا أنّني في غَيرِ نَوْمٍ … لَكُنْتُ أظُنّني مني خَيَالا

بَدَتْ قَمَراً ومالَتْ خُوطَ بانٍ … وفاحَتْ عَنْبَراً ورَنَت غَزالا

وجارَتْ في الحُكومَةِ ثمّ أبْدَتْ … لَنا من حُسنِ قامَتِها اعتِدالا

كأنّ الحُزْنَ مَشْغُوفٌ بقَلبي … فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا

كَذا الدّنْيا على مَن كانَ قَبْلي … صُروفٌ لم يُدِمْنَ عَلَيْهِ حَالا

أشَدُّ الغَمّ عِنْدي في سُرورٍ … تَيَقّنَ عَنهُ صاحِبُهُ انْتِقالا

ألِفْتُ تَرَحّلي وجَعَلْتُ أرضي … قُتُودي والغُرَيْرِيَّ الجُلالا

فَما حاوَلْتُ في أرْضٍ مُقاماً … ولا أزْمَعْتُ عَن أرْضٍ زَوالا

على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي … أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً

إلى البَدْرِ بنِ عَمّارَ الذي لَمْ … يكُنْ في غُرّةِ الشّهْرِ الهِلالا

ولم يَعْظُمْ لنَقْصٍ كانَ فيهِ … ولم يَزَلِ الأميرَ ولَنْ يَزالا

بلا مِثْلٍ وإنْ أبْصَرْتَ فيهِ … لكُلّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثَالا

حُسَامٌ لابنِ رائِقٍ المُرَجّى … حُسامِ المُتّقي أيّامَ صالا

سِنانٌ في قَناةِ بَني مَعَدٍّ … بَني أسَدٍ إذا دَعَوا النّزالا

أعَزُّ مُغالِبٍ كَفّاً وسَيْفاً … ومَقْدِرَةً ومَحْمِيَّةً وآلا

وأشرَفُ فاخِرٍ نَفْساً وقَوْماً … وأكْرَمُ مُنْتَمٍ عَمّاً وخالا

يكونُ أخَفُّ إثْنَاءٍ عَلَيْهِ … على الدّنْيا وأهْليها مُحَالا

ويَبْقَى ضِعْفُ ما قَد قيلَ فيهِ … إذا لم يَتَّرِكْ أحَدٌ مَقَالا

فيا ابنَ الطّاعِنينَ بكُلّ لَدْنٍ … مَواضعَ يَشتَكي البَطَلُ السُّعالا

ويا ابنَ الضّارِبينَ بكُلّ عَضْبٍ … منَ العَرَبِ الأسافِلِ والقِلالا

أرَى المُتَشاعِرينَ غَرُوا بذَمّي … ومَن ذا يَحمَدُ الدّاءَ العُضالا

ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ … يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا

وقالوا هَلْ يُبَلّغُكَ الثّرَيّا؟ … فقُلت نَعَمْ إذا شئتُ استِفالا

هوَ المُفني المَذاكي والأعادي … وبِيضَ الهِنْدِ والسُّمْرَ الطّوالا

وقائِدُها مُسَوَّمَةً خِفافاً … على حَيٍّ تُصَبّحُهُ ثِقَالا

جَوائِلَ بالقُنيّ مُثَقَّفاتٍ … كأنّ على عَوامِلِها ذُبَالا

إذا وَطِئَتْ بأيْديها صُخُوراً … يَفِئْنَ لوَطْءِ أرْجُلِها رِمَالا

جَوابُ مُسائِلي ألَهُ نَظِيرٌ؟ … ولا لكَ في سُؤالكَ لا ألاَ لا

لَقَد أمِنَتْ بكَ الإعدامَ نَفْسٌ … تَعُدّ رَجاءَها إيّاكَ مَالا

وقد وَجِلَتْ قُلُوبٌ منكَ حتى … غَدَتْ أوجالُها فيها وِجَالا

سُرورُكَ أنْ تَسُرَّ النّاسَ طُرّاً … تُعَلّمُهُمْ عَلَيْكَ بهِ الدّلالا

إذا سألُوا شكَرْتَهُمُ عَلَيْهِ … وإنْ سكَتُوا سألْتَهُمُ السّؤالا

وأسعَدُ مَنْ رأيْنا مُسْتَميحٌ … يُنيلُ المُسْتَمَاحَ بأنْ يُنَالا

يُفارِقُ سَهمُكَ الرّجلَ المُلاقَى … فِراقَ القَوْسِ ما لاقَى الرّجالا

فَما تَقِفُ السّهامُ على قَرارٍ … كأنّ الرّيشَ يَطّلِبُ النِّصالا

سَبَقْتَ السّابقينَ فَما تُجارَى … وجاوَزْتَ العُلُوّ فَما تُعَالَى

وأُقْسِمُ لوْ صَلَحْتَ يَمينَ شيءٍ … لمَا صَلَحَ العِبَادُ لَه شِمَالا

أُقَلّبُ مِنكَ طَرْفي في سَمَاءٍ … وإنْ طَلَعَتْ كَواكِبُها خِصالا

وأعجبُ منكَ كيفَ قدَرْتَ تنشا … وقد أُعطِيتَ في المَهدِ الكَمالا