بغيرك راعيا عبث الذئاب – المتنبي

بِغَيرِكَ رَاعِياً عَبِثَ الذّئَابُ … وَغَيرَكَ صَارِماً ثَلَمَ الضِّرَابُ

وَتَمْلِكُ أنْفُسَ الثّقَلَينِ طُرّاً … فكَيفَ تَحُوزُ أنفُسَها كِلابُ

وَمَا تَرَكُوكَ مَعْصِيَةً وَلَكِنْ … يُعَافُ الوِرْدُ وَالمَوْتُ الشّرَابُ

طَلَبْتَهُمُ عَلى الأمْوَاهِ حَتى … تَخَوّفَ أنْ تُفَتّشَهُ السّحَابُ

فَبِتَّ لَيَالِياً لا نَوْمَ فِيهَا … تَخُبّ بكَ المُسَوَّمَةُ العِرابُ

يَهُزُّ الجَيشُ حَوْلَكَ جانِبَيْهِ … كمَا نَفَضَتْ جَناحَيْها العُقابُ

وَتَسْألُ عَنهُمُ الفَلَوَاتِ حتى … أجابَكَ بَعضُها وَهُمُ الجَوَابُ

فَقاتَلَ عَنْ حَرِيمِهِمِ وَفَرّوا … نَدَى كَفّيْكَ وَالنّسَبُ القُرَابُ

وَحِفْظُكَ فيهِمِ سَلَفَيْ مَعَدٍّ … وَأنّهُمُ العَشائِرُ وَالصّحابُ

تُكَفْكِفُ عَنهُمُ صُمَّ العَوَالي … وَقَدْ شَرِقَتْ بظُعْنِهِمِ الشِّعابُ

وَأُسْقِطَتِ الأجِنّةُ في الوَلايَا … وَأُجْهِضَتِ الحَوائِلُ وَالسِّقابُ

وَعَمْروٌ في مَيَامِنِهِمْ عُمُورٌ … وَكَعْبٌ في مَياسِرِهِمْ كِعَابُ

وَقَدْ خَذَلَتْ أبُو بَكْرٍ بَنِيهَا … وَخاذَلَها قُرَيْطٌ وَالضِّبابُ

إذا ما سِرْتَ في آثَار قَوْمٍ … تخَاذَلَتِ الجَماجِمُ وَالرّقَابُ

فَعُدْنَ كمَا أُخِذْنَ مُكَرَّماتٍ … عَلَيْهِنّ القَلائِدُ وَالمَلابُ

يُثِبْنَكَ بالذي أوْلَيْتَ شُكْراً … وَأينَ مِنَ الذي تُولي الثّوَابُ

وَلَيْسَ مَصيرُهُنّ إلَيْكَ شَيْناً … وَلا في صَوْنِهِنّ لَدَيْكَ عَابُ

وَلا في فَقْدِهِنّ بَني كِلابٍ … إذا أبصَرْنَ غُرّتَكَ اغتِرَابُ

وَكَيفَ يَتِمّ بأسُكَ في أُنَاسٍ … تُصيبُهُمُ فَيُؤلمُكَ المُصَابُ

تَرَفّقْ أيّهَا المَوْلى عَلَيهِمْ … فإنّ الرّفْقَ بِالجاني عِتَابُ

وَإنّهُمُ عَبيدُكَ حَيثُ كانُوا … إذا تَدْعُو لحَادِثَةٍ أجَابُوا

وَعَينُ المُخْطِئِينَ هُمُ وَلَيْسُوا … بأوّلِ مَعْشَرٍ خَطِئُوا فَتَابُوا

وَأنْتَ حَياتُهُمْ غَضِبَتْ عَلَيهمْ … وَهَجْرُ حَيَاتِهمْ لَهُمُ عِقَابُ

وَمَا جَهِلَتْ أيادِيَكَ البَوَادي … ولكِنْ رُبّمَا خَفيَ الصّوَابُ

وَكَمْ ذَنْبٍ مُوَلِّدُهُ دَلالٌ … وَكَمْ بُعْدٍ مُوَلِّدُهُ اقْتِرَابُ

وَجُرْمٍ جَرّهُ سُفَهَاءُ قَوْمٍ … وَحَلّ بغَير جارمِه العَذابُ

فإنْ هَابُوا بجُرْمِهِمِ عَلِيّاً … فَقَدْ يَرْجُو عَلِيّاً منْ يَهَابُ

وَإنْ يَكُ سيفَ دَوْلَةِ غيرِ قيسٍ … فَمِنْهُ جُلُودُ قَيسٍ والثّيابُ

وَتَحْتَ رَبَابِه نَبَتُوا وَأثّوا … وَفي أيّامِه كَثُرُوا وَطابُوا

وَتحتَ لِوائِه ضَرَبُوا الأعَادي … وَذَلّ لهُمْ منَ العَرَبِ الصّعابُ

وَلَوْ غَيرُ الأمير غَزَا كِلاباً … ثَنَاهُ عَنْ شُمُوسِهِمِ ضَبَابُ

وَلاقَى دونَ ثَأيِهِمِ طِعَاناً … يُلاقي عِنْدَهُ الذّئْبَ الغُرابُ

وَخَيْلاً تَغْتَذي ريحَ المَوَامي … وَيَكْفيها مِنَ المَاء السّرَابُ

وَلَكِنْ رَبُّهُمْ أسْرَى إلَيْهِمْ … فَمَا نَفَعَ الوُقُوفُ وَلا الذّهابُ

وَلا لَيْلٌ أجَنّ وَلا نَهَارٌ … وَلا خَيْلٌ حَمَلْنَ وَلا رِكَابُ

رَمَيْتَهُمُ ببَحْرٍ مِنْ حَديدٍ … لَهُ في البَرّ خَلْفَهُمُ عُبَابُ

فَمَسّاهُمْ وَبُسْطُهُمُ حَريرٌ … وَصَبّحَهُمْ وَبُسْطُهُمُ تُرَابُ

وَمَنْ في كَفّه مِنْهُمْ قَنَاةٌ … كمَنْ في كَفّه منهُمْ خِضابُ

بَنُو قَتْلى أبِيكَ بأرْض نَجْدٍ … وَمَنْ أبْقَى وَأبْقَتْهُ الحِرابُ

عَفَا عَنهُمْ وَأعْتَقَهُمْ صغاراً … وَفي أعناقِ أكثرهمْ سِخابُ

وَكُلّكُمُ أتَى مَأتَى أبِيه … وَكُلُّ فَعَالِ كُلّكُمُ عُجَابُ

كَذا فَلْيَسْرِ مَن طَلَبَ الأعادي … وَمثلَ سُراكَ فَليَكُنِ الطِّلابُ