بغداد بثياب الدم – أديب كمال الدين

(1)

تعبتْ بغداد من ثيابِ الدم

تعبتْ وبكتْ

وحين طلبتْ جرعةَ ماء

أعطوها قنبلةً للموتِ وسيفاً للذبح

وحين طلبتْ رغيفَ خبز

أعطوها رمحاً من نار

وحين طلبتْ شمساً

صادوا شمسَ الله

حتّى لا تحضر يوماً ما

لشوارع بغداد.

(2)

تعبتْ بغداد من ثيابِ الدم

نزفتْ موتاً أحمرَ كجهنم

وحين أرسلتْ في طلبِ الطبيب

قالوا لها:

الطبيبُ مشغول بالخليفة

والخليفة مصاب منذ ألف سنة

بالمللِ التاريخيّ

والمللِ الجغرافيّ

والمللِ الروحيّ

والمللِ الأمنيّ

والمللِ الجنسيّ.

ولذا سيجيء إليك

بعد أن يُشفي الخليفة

من أنواعِ المللِ جميعاً

فلا تبتئسي

وحين نزفتْ بغداد

ميتاتٍ أخرى لا حصر لها

في أزمنةٍ لا حصر لها

قالوا:

عن أيّ طبيبٍ تتحدثُ هذي المسكينة؟

(3)

بغداد..

دماؤكِ سالتْ في الشارعِ للرائحِ والغادي

كيف سيوقفها الفقراءُ العُزّل؟

بأيّ حروفٍ ودواءٍ وتعاويذ؟

كيف؟

وبغداد هاجمها كلُّ ذئابِ الكون

نهشوا وجنتيها، شفتيها،

نهشوا ثدييها ويديها،

بالوا في دجلتها

حين رأوا دجلة

تتألقُ في الشمس

وحين رأوا فيها مئذنةَ الحرفِ الذهبية

تمتدّ إلى ما شاء الله

مارسوا فنَّ التفخيخ

وفنَّ القصف

وفنَّ الرجم

وفنَّ الذبح

وفنَّ المكر

وفنَّ التدليس.

(4)

بغداد..

الحقدُ شديد

نعم، والألمُ شديد.

والقتلى انتشروا دون رؤوس

في كلِّ مكانٍ من جسدك.

والفقراء العُزّل

سقطوا من فوق الجسر ومن تحت الجسر

وفي جامعةِ المستنصر بالله

وفي مصطبةِ عمّال البابِ الشرقيّ

وفي..

وفي..

فآهٍ، بغداد، وآه.

(5)

لكنكِ، يا بغداد،

ستقومين من الموت

أعني ستقومين من الدم

فباؤكِ باءُ الله

وألفكِ أشرفُ موجوداتِ الحرف

ودالكِ دالُ الدنيا والدين

وسرّكِ سرّ الحبّ،

كلّ الحبّ.

(6)

نعم، يا بغداد،

ستضيئين الدنيا ثانيةً

بثيابِ الشمس

لا بثيابِ الدم،

فأنتِ العنقاءُ وأنتِ الشمس