النزغة أو ليلة من ليالي الشباب – محمد مهدي الجواهري

كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه … سحقوهنَّ عن طريقِ الخساسه

وطباعٍ رقيقةٍ قابَلتهنَّ … الليالي بغِلْظَةٍ وشراسه

ما لضعفٍ شكوايَ دهري … فما أنكرُ بأسي وإن تحاميتُ باسه

غيرَ أني أردتُ للنجحِ مقياساً … صحيحاً فلم أجدْ مقياسه

وقديماً مسَّتْ شكوكٌ عقولاً … وأطالتْ من نابهٍ وَسواسه

اِِِستغلَّتْ شعورَها شعراءٌ … لم تُنشني ظرافةً وكيَاسه

وارتمت ْ بيْ لإلى المَطاوحِ نفسٌ … غمرتها انقباضةٌ واحتراسه

عدَّتِ النُبلَ رابحاً واستهانتْ … من نعيمٍ ولذَّةٍ إفلاسه

كلَّما أوشكتْ تبلُّ .. من الاخلاصِ … والصدقِ عاودتْها انتكاسه

تَعِسَ المرءُ حارِماً نفسَه كلَّ … اللذاذاتِ قانعاً بالقداسه

اِستفيقي لا بدَّ أنْ تُشبهي الدَّهرَ … انقلابا .. وأنْ تُحاكي أُناسه

لكِ في هذه الحياةِ نصيبٌ … اِغنميهِ انتهازةً وافتراسه

فالليالي بلهاءُ فيها لمن يُحسن … إبساسةً لها ، إسلاسه

مُخلَفاتٍ حلبتِها .. وأُناسٌ … حلَبوها درّارةً بسَّاسه

كلُّ هذا ولستُ أُنكرُ أنّي … من لذاذاتها اختلستُ اختلاسه

ألفُ إيحاشةٍ من الدَّهر قد … غطَّتْ عليها في ليلةٍ إيناسه

ليلةٌ تُغضبُ التقاليدَ في الناس … وتُرضي مشاعراً حسَّاسه

من ليالي الشبابِ بسَّامةٌ ، إنَّ … لياليَّ جُلّها عبَّاسه

ومعي صاحبٌ تفرَّستُ فيه … كلَّ خيرٍ فلمْ تخني الفَراسه

أريحيُّ ملء الطبيعةِ منه … عزَّةٌ وانتباهةٌ وسلاسه

خِدْنُ لَهوٍ ..إني أُحبّ من الشاعر … في هذه الحياةِ انغماسه

عرَّقتْ فيه طيّباتٌ ويأبى … المرءُ إلاَّ عروقَه الدسَّاسه

ولقد رُزْتُه على كلّ حالاتِ … الليالي فما ذممتُ مَساسه

كان مقهى ” رشيد ” موعدنا عصراً … وكنَّا من سابقٍ أحلاسه

مجلسٌ زانَهُ الشبابُ ، وأخلوا … ” للزهاويِّ” صدرَه والرياسه

هو إنْ شئتَ مجمعٌ للدُّعاباتِ … وإن شتتَ معهدٌ للدراسه

ثمَّ كلن العِشاءُ فانصرف الشيخُ … كسيحاً موِّدعاً جُلاّسه

وافترقنا نُريد” مَهَرانَ” نبغي … وَرطة ًفي لذاذةٍ وارتكاسه

تارةً صاحبي يُصفِّقُ كأسي … وأنا تارةً أُصفِّق كاسه

وجديرٌ أنْ يُمتِعَ المرءُ بالخمرةِ … نفساً . وأنْ يُثقِّلَ راسه

قبلَ أن تَهجُمَ الليالي عليه … فتُعري من الصِّبا أفراسه

أتُراه على حياةٍ قديراً … بعدَ ما يُودِعونه أرماسه

فاحتسبنا كأساً وأُخرى فدبَّتْ … سَورةٌ لم تدعْ بنا إحساسه

وهَذينْا بما استكنَّت به النفسُ … وجاشتْ غريزةٌ خنَّاسه

لا ” الحسينُ الخليعُ ” يبلغُ شأوينا … ولا ” مسلمٌ ” ولا ذو ” النُواسه”

قال لي صاحبي الظريفُ وفي الكفّ … ارتعاشٌ وفي اللسانِ انحباسه :

أين غادرتَ ” عِمَّةً ” واحتفاظاً … قلتُ : إني طرحتُها في الكُناسه

ثم عُجنا لمسرحٍ أسرجته … كلُّ رَودٍ وضَّاءةٍ كالماسه

حدَّدوةُ بكلّ فينانةٍ خضراءَ … بالزهرِ عطرتْ أنفاسه

ولقد زادتِ الوجوهَ به حُسناً … ولُطفاً للكهرباء انعكاسه

ثمَّ جَسُّوا أوتارَهم فأثرنَ … اللهوَ أيدٍ قديرةٌ جسَّاسه

وتنادَوا بالرقصِ فيه فأهوى … كلُّ لدنٍ للدنةٍ ميَّاسه

خُطةٌ للعواطف الهُوج فاقَتْ … خُطّةَ الحربَ جذوةً وحماسه

أُغرمَ الجمعُ واستجاب نفوساً … تتقاضاهُ حاجة مسَّاسة

ناقِلاً خطوَةُ على نغمةِ العودِ … وطوراً مرَّجفاً أعجاسه

وتلاقى الصدرانِ .. واصطكَّتِ … الأفخاذُ .. حتى لم تبقَ إلا لُماسه

حرَّكوا ساكناً فهبَّ رفيقي … لامساً باليدينِ منه لباسه

ثمَّ نادى مُعربداً لُيحيِّ … الله مغناكَ وليُدِمْ أعراسه

وخرَجْنا منه وقد نصلَ الليلُ … وهدَّتْ إغفاءَةٌ حُرّاسه

ما لبغدادَ بعدَ هاتيكمُ الضجَّةِ … تشكو أحياؤها إخراسه

واقتحمنا بيتاً تعوَّد أنْ نطرق … في الليلِ خُلسةً أحلاسه

وأخذنا بكفِّ كلِّ مَهاةٍ … رنَّقَتْ في الجفونِ منها نُعاسه

لم أُطِلْ سومَها وكنتُ متى يعجبني … الشئُ لا أُطيلُ مِكاسه

قلتُ إذ عيَّرتنيَ الضعفَ لمَّا … خذلتني عنها يدٌ فرّاسه:

لستُ أعيا إنْ فاتني أخذيَ الشيء … بعنفٍ ، عن أخذهِ بالسياسه

ثمَّ كانتْ دعابةٌ فَمُجونٌ … فارتخاءٌ . فلذةٌ . فانغماسه

وعلى اسمِ الشيطانِ دُستُ عَضوضاً … ناتئَ الجنبتَينِ . حلوَ المداسه

لبَداً .. تنهلُ اللُبانةُ منه … لا بحزْنٍ ضَرسٍ .. ولاذي دَهاسه

وكأنّ العبيرَ في ضرَمِ اللذَّةِ … يُذكي بنفحةٍ أنفاسه..

وكأنّ الثِقْل المرجّحَ بين الصدرِ … والصدرِ .. يستطيبُ مراسه

وكأنّ ” البديعَ ” في روعة الأسلوب … يُملي ” طِباقه ” و” جِناسه”

واستجدَّتْ من بعدِ تلك أمورٌ … كلّهنَّ ارتيابةٌ والتباسه

عرَّفتنا معنى السعادةِ لمّا … أنْ وضعنا حدّاً بها للتعاسه

بسَمَ الدهرُ وتجافى … بعدَها كاشِراً لنا أضراسه

صاحبي لا ترُعكَ خِسَّةُ دهر … ” كم نفوسٍ حسَّاسه”