الشاعَر: ابن الطبيعَة الشَاذ – محمد مهدي الجواهري

إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ … سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُّ

وما سهلٌ حياةُ اخي شُعورٍ … من الوجدان ينبُضُ فيه عِرق

أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً … حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرق

تفيض وضاحةً والعيشُ غِشٌ … سلاحك فيه أن يعلوك رَنْق

وتحمل ما يحلّ من الرزايا … قُواكَ وقد تخورُ لما يَدِقّ

يطُن الناسُ أنّك عُنجهُيُّ … وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقّ

قليلٌُّ عاذروكَ على انقباضٍ … أحب الناسِ عند الناسِ طَلْق

ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منه … على الخُلَطاء مَحمِلُه يشِقّ

شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي … له شِقٌ وطوعُ يديك شِق

وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ … قِرى الأضياف قبلَ الزاد خُلْق

وعذرُك أنت آلامٌ ثِقالٌ … لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصق

أحقُّ الناس بالتلطيف يغدو … وكل حياتِه عَنَتٌ وزَهْق

تسير بك العواطفُ للمنايا … وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمق

وحتى في السكوت يُرادُ حزمٌ … وحتى في السلامِ يُرادُ حِذق

يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً … وفيك لما يُريدُ الناسُ خَرق

خضوعُ الفرد للطبقاتِ فَرضٌ … وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقّ

نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ … شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْق

وعندّكَ قوَّةُ التعبير عما … تُحسُّ ، وميزةُ الشُعَراء نُطْق

حياتُك أن تقولَ ولو لهاثاً … وحُكمٌ بالسكوت عليك شَنْق

فما تدري أتطلق من عنان القريحةِ … أم تُسفُّ فتُستَرَقّ

فان لم تُرضِ أوساطاً وناساً … ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدق

ولم تقلِ الشريفُ أبو المعالي … وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْق

ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكما … بأنهما لميلِ الشَعب وَفق

دُفِعتَ الى الرعاع فكان شتمٌ … ورحتَ إلى القضاء فكان خَنْق

بقاءُ النوع قال لكلِّ فرد … ” أُحطُّ شمائلي عَدل ورِفق “

قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي … لمن لم يعرف التهويش طَرْق

وصارمةٌ نواميسي وعندي … لمن لا يسحَقُ الوجدانَ سَحق

وإني لاحبٌ بالظلم سهلٌ … ومنحدِرٌ لصافي القلب زَلْق

غريبٌ عالم الشعراء تقسو … ظروفهم والسنُهم تَرِق

كبعضِ الناس هُمْ فاذا استُثيروا … فبينهم وبين الناس فَرْق

شذوذُ الناس مُختَلَق ولكنْ … شذوذُ الشاعر الفَنّان خَلْق

وإن تعجَبْ فمن لَبِقٍ أريبٍ … عليه تساويا سَطْحٌ وعُمْق

تضيق به المسالكُ وهو حُرٌّ … ويُعوِزُهُ التقلُّب وهو ذَلْق

وسرُّ الشاعرية في دِماغٍ … ذكيٍ وهو في التدبير خَرْق

تَخبَّط في بسائِطهِ وحَلَّت … على يَدهِ من الأفكار غُلْق

مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً … مَشَتْ بُرُدٌ بهم وأُثيرَ بَرق

ومَرموقونَ من بُعدٍ وقُربٍ … لَهمْ أُفُقٌ وللقمرين أُفْق

ومحسودونَ إن نَطَقوا وودُّوا … بشَدق منهُمُ لو خِيطَ شَدْق

يُعينُ عليهُمُ رَشْقُ البلايا … من التنقيد والشتَمات رَشق

فاما جَنْبةُ التكريم منهم … فبابٌ بعضَ أحيان يُدَقّ

متى تُحسِن مدائحَهُمْ يَجِلّوا … كما اشتُريِتَ لحُسن اللحن وُرْق

وإلا غُودِروا هَمَلا ضَياعاً … كما بَعدَ الشرابِ يُعاف زِقّ

ورب مُضيَّع منهم هباءاً … يَشيدُ بذكرهِ غَرب وشَرق

تَزيَّنُ في الندى له دوَاةٌ … ويُعرَض في المتاحف منه رَق

فيا عجباً لمنبوذٍ كحَق … يقدَّر من بديع نَثاه عِلْق

وفي شتى البلاد يُرى ضريحٌ … عليه من نِثار الوَرد وَسق

يُجل رفات أحمدِه فرات … وتَمسح قبرَ أحمدها دمشق

ومفرق ذاك شُجَّ فلم يُعقِّب … وُروعٌ ذا وسد عليه رزق

كلمات: مأمون الشناوي

ألحان: محمد عبدالوهاب