إني لأعلم واللبيب خبير – المتنبي

إنّي لأعْلَمُ، واللّبيبُ خَبِيرُ، … أنْ الحَياةَ وَإنْ حَرَصْتُ غُرُورُ

ورَأيْتُ كُلاًّ ما يُعَلّلُ نَفْسَهُ … بِتَعِلّةٍ وإلى الفَنَاءِ يَصِيرُ

أمُجاوِرَ الدَّيْمَاسِ رَهْنَ قَرَارَةٍ … فيها الضّياءُ بوَجْهِهِ والنّورُ

ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى … أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ

ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى … رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ

خَرَجُوا بهِ ولكُلّ باكٍ خَلْفَهُ … صَعَقاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكّ الطُّورُ

والشّمسُ في كَبِدِ السّماءِ مريضَةٌ … والأرْضُ واجفَةٌ تَكادُ تَمُورُ

وحَفيفُ أجنِحَةِ المَلائِكِ حَوْلَهُ … وعُيُونُ أهلِ اللاّذقِيّةِ صُورُ

حتى أتَوْا جَدَثاً كَأنّ ضَرِيحَهُ … في قَلْبِ كُلّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ

بمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلَى مِن مُلْكِهِ … مُغْفٍ وإثْمِدُ عَيْنِهِ الكافُورُ

فيهِ السّماحةُ والفَصاحةُ والتّقَى … والبأسُ أجْمَعُ والحِجَى والخِيرُ

كَفَلَ الثّنَاءُ لَهُ بِرَدّ حَيَاتِهِ … لمّا انْطَوَى فكأنّهُ مَنْشُورُ

وكأنّما عيسَى بنُ مَرْيَمَ ذِكْرُهُ … وكأنّ عازَرَ شَخْصُهُ المَقْبُورُ