إلى مصر أزف عن الشآم – جبران خليل جبران

إلى مصر أزف عن الشآم … تحيات الكرام إلى الكرام

تحيات يفض الحمد منها … فم النسمات عن عبق الخزام

ندبت لها وجرأني اعتدادي … بأقدار الدعاة على القيام

إذا ما كان معروف وشكر … مبادلة التصافي والوئام

فحبا أيها الوطنان إني … وسيط العقد في هذا النظام

وسيط العقد لا عن زهو نفس … أقل الرأي يلزمني مقامي

ولكن عن ولاء بي أكيد … وعن رعي وثيق للذمام

أعرني ثغر بيروت ابتساما … أصغ فرض الجميل من ابتسام

ويا بحرا هناك أعر ثنائي … نفيس الدر ينظم في الكلام

ويا غابات لبنان المفدى … من الدوح المجدد والقدام

أراك على الكنانة عاطفات … وقد ذكرت أملك من غرام

أمديني بأرواح زواك … لقرئها الزكي من السلام

بلادي لا يزال هواك مني … كما كان الهوى قبل الفطام

أقبل منك حيث رمى الاعادي … رغاما طاهرا دون الرغام

وأفدي كل جلمود فتيت … وهي بقنابل القوم اللئام

فكيف الشبل مختبطا صريعا … على الغبراء مهشوم العظام

وكيف الطفل لم يقتل لذنب … وذات الخدر لم تهتك لذام

لعمر المنصفين أبعد هذا … يلام المستشيط على الملام

لحى الله المطامع حيث حلت … فتلك أشد آفات السلام

تشوب الماء وهو أغر صاف … وتمشي في المشارب بالسقام

أيقتل آمن ويقال رفه … عليك فما حمامك بالحمام

ستسعد بالذي يشفيك حالا … وتنعم بعد خسف بالمقام

فإما أن تعيش وأنت حر … فذاك من التغالي في المرام

وإما أن تساهم في المعالي … فطائشة بمرماك المرامي

مضى عهد يجار الجار فيه … ويؤخذ للحلام من الحرام

وهذا العهد ميدان التباري … بلا حد الى كسب الحطام

مباح ما تشاء فخذه إما … بحق الرأي أو حق الحسام

ولا تكرثك نوحات الثكالى … ولا شكوى ضميرك في الظلام

أساتذة المطامع ما ذكرتم … هو الناموس يقدم وهو نام

فلا يضعف ضعيف أو نراه … لناب الليث يصلح في الطعام

فهمنا مأخذ الجاني علينا … وإعذار المسيمين العظام

وإن بديل عصر كان فيه … عجاف القوم ملكا للضخام

زمان ساد شعب فيه شعبا … وأنزله بمنزلة السوام

وبين العنصرين خلاف نوع … على كون الجميع من النام

أقول وقد أفاق الشرق ذعرا … من الحال الشبيهة بالمنام

على صخب الرواعد فيحماه … ورقص الموت بين طلى وهام

أقول بصوته لحماة دار … رماها من بغاة الغرب رام

أباة الضيم من عرب وترك … نسور الشم آساد الموامي

قروم العصر فرسانا ورجلا … نجوم الكر من خلف اللثام

بنا مرض النعيم فنسمونا … وغى يشفي من الصفو العقام

بنا عطل السماع فشنفونا … بقعقعة الحديد لدى الصدام

لقد حئتم ببرهان عظيم … على أنا نعود الى التمام

وأنا إن جهلنا أو غلطنا … أنفنا أن نعاتب باحتكام

وأنا حيث فاتحنا كذوب … بميعاد فطنا للختام

فإن زينت لنا الأقوال عفنا … تعاطيها كما كرة المدام

على هذا الرجاء ونحن فيه … نسير موفقين الى الامام

مثولي رافعا إجلال قومي … إلى عباس الملك الهمام

إلى ملك التضامن والتآخي … عميد الشرق بعد الامام

وجهري جهد ما تسع المعاني … بمدح شقيقه السنم المقام

متتم إمارة الأصل المعلى … بفضل باذخ كالأصل سام

وأدعو أن يعز الله مصرا … ويوليها السعود على الدوام