إلى روح العلامة الجواهري – محمد مهدي الجواهري

حذِرتُ وماذا يُفيد الحذرْ … وفوقَ يميني يمينُ القَدَرْ

ومما يهوِّن وقَع الحِمام … أن ليس للمرء منه مفر

يُوَقِّعُ ما شاء عُودُ الزمان … ويبكي ويضحك منه الوتر

” فيومٌ علنا ويوم لنا … ويوم نُساء ويوم نُسر “

تعشقتُ من ” عمرٍ ” قوَلهُ … وكم حكمة في معاني عمر

أرى دهرنا مسرحاً كلُّنا … نروح ونغدو به كالصُّور

اقول وقد قيل جاء البريد … ينث اليك بهذا الخبر

عجِيب له كيف لم يوِهِه … فقالوا صدقتَ لهذا عثر

عَرَفت الكتاب بمضمونه … يُحَدّث : أن اليراع انكسر

خليليَّ ما انتما صانعان … بدمعٍ ترقرق ثم انحدر

تحير بين النُّهى والهوى … فهذا نَهاهُ وهذا أمر

هلُّما ننوح على دوحةٍ … ذوى الأصل منها وجفَّ الثمر

ولا ترغبا في اعتذار الزمان … متى زلَّ دهرُكُما فاعتذر

وهِّونَ من حُرقتي أن أرى … دَمَ الناس عند الليالي هدر

حَلَفْتُ لقد كنتَ عفَّ اللسان … وعف اليدين وعف النظر

جَنانُك لا تعتليه الشكوك … ونفسُك لا يزدهيها البَطَر

شباب مضى كنَتَ برّاً به … وشيخوخةٌ كنت فيها أبر

فلم تدر في صِغَر ما الصَّغار … ولم تدر ما الكِبْرُ عند الكِبَر

ونفسُك للنفع مخلوقة … فلو رُمت ، لم تدر كيف الضرر

لقد جلَّ خطبك عن أن يقاس … بما خلَّفته خُطوب أُخر

فتلك يُلامُ بها جازع … وهذا يلام به من صبر

بكيتُكَ للعلم مَحَّصْتَهُ … وابرزته نافعاً مختصر

كتاب ابيك ومن ذا يعيد … عليه ، وقد رحت عنه ، النظر

وللنفس تزهَد في عاجل … وترغب في الآجل المدخر

لفقد صيامك يبكي النهار … ويبكي لفقد القيام السحر

بكيتك للبيت عالي العماد … فخاراً نُعيِت اليه فَخَر

تعطَّل من حَلْيهِ جيدهُ … وعِقدُ الجواهر منه انتثر

رأيت من الناس ما دونه … يُفَلُ الحديد يُفَتُ الحجر

نُسيتَ لأنكَ رُمت الآله … وغيرُك رام الورى فاشتَهر

وعافتك دنياكَ إذ عِفتها … وما بك لو رُمتها من قِصَر

وأعظمُ ما جرّ خطب الزمان … ملائكةٌ تُبلى بالبشر

ثمَانينَ في الله قضيّيْتَها … ستُظْهر من فاز ممن خسر

على قدر ما اختلف الواردون … يكونَ اختلافهُمُ في الصَّدَر

ولو نَفَعتْ عِبرةٌ في الورى … لكانت حياتك أمَّ العبر

لقد كلمتك خطوب دهت … لو الصخرُ كابدهنَّ انفطر

شبابان كنا بلطفيهما … نباهي الخميلة أُمَّ الزهر

فقدتَهما لم يكن بين ذا … وذلك إلا كلمح البصر

أتعلم إذ شيعت نعشَه … لمن ذا تُشيِّع هذي الزمر

وهل عَرَف الموت إذ غاله … بما أيِّ عِلْقٍ نفيس ظفِر

ولو كنتَ تُرثى كما ينبغي … لكنت الجدير بأم السُّور

ولكن على قدْر ما أستطيعُ … أتيت أقابل طوداً بِذر

وما أنا إلا مُسئٌ أقر … وما أنت الا كريمٌ عذر

هو الحزن نَمَّ عليه البيان … أو الجمرُ نمَّ عليه الشرر

رأيت الهموم نَتاجَ الشعور … فلا يْفَرَحنَّ امرؤٌ عن شعر

ودونَ القصيد الذي تقرأون … اذا جاشت انفس وخزُ الابر

وما المرءُ إلا بآثاره … وذكرك بالخير نعم الأثر

أبا حسنٍ يا جواد النَّدى … اذا المَحْلُ عمَّ ، وصِنوَّ المطر

ويا نابغاً حينَ جَفَّ النُّبوغ … وضلت عن الفكر أهلُ الفكر

يَهشُّ لك السمع قبل العِيان … وتشتاقك البدو قبل الحضر

فلا تجزَعنْ ، نِعم عُقبى الفتى … تَحَّملُ ما لم يُطِقْ فاصْطَبر