إثلث فإنا أيها الطلل – المتنبي

إثْلِثْ فإنّا أيّهَا الطّلَلُ … نبْكي وَتُرْزِمُ تَحْتَنَا الإبِلُ

أوْ لا فَلا عَتْبٌ عَلى طَلَلٍ … إنّ الطّلُولَ لمِثْلِهَا فُعُلُ

لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ قُلتَ مُعتَذِراً … بي غَيرُ ما بكَ أيّهَا الرّجُلُ

أبكاكَ أنّكَ بَعضُ مَن شَغَفُوا … لم أبكِ أنّي بَعضُ مَن قَتَلُوا

إنّ الذينَ أقَمْتَ وَارْتَحَلُوا … أيّامُهُمْ لِدِيَارِهِمْ دُوَلُ

الحُسْنُ يَرْحَلُ كُلّمَا رَحلوا … مَعَهُمْ وَيَنْزِلُ حَيثُمَا نَزَلُوا

في مُقْلَتيْ رَشَإٍ تُديرُهُمَا … بَدَوِيّةٌ فُتِنَتْ بهَا الحِلَلُ

تَشكُو المَطاعِمُ طولَ هِجرَتِها … وَصُدودَها وَمَنِ الذي تَصِلُ

ما أسْأرَتْ في القَعْبِ مِن لَبَنٍ … تَرَكَتهُ وَهوَ المِسكُ وَالعَسَلُ

قالَتْ ألا تَصْحُو فَقُلتُ لَهَا … أعْلَمْتِني أنّ الهَوَى ثَمَلُ

لَوْ أنّ فَنّاخُسْرَ صَبّحَكُمْ … وَبَرَزْتِ وَحْدَكِ عاقَهُ الغَزَلُ

وَتَفَرّقَتْ عَنكُمْ كَتَائِبُهُ … إنّ المِلاحَ خَوَادِعٌ قُتُلُ

مَا كُنتِ فَاعِلَةً وَضَيْفُكُمُ … مَلِكُ المُلُوكِ وَشأنُكِ البَخَلُ

أتُمَنّعِينَ قِرىً فتَفْتَضِحي … أمْ تَبْذِلينَ لَهُ الذي يَسَلُ

بَلْ لا يَحِلّ بحَيْثُ حَلّ بِهِ … بُخْلٌ وَلا خَوَرٌ وَلا وَجَلُ

مَلِكٌ إذا مَا الرُّمحُ أدرَكَهُ … طَنَبٌ ذَكَرْنَاهُ فَيَعْتَدِلُ

إنْ لم يَكُنْ مَن قَبلَهُ عَجَزُوا … عَمّا يَسُوسُ بهِ فَقد غَفَلُوا

حتى أتَى الدّنْيَا ابنُ بَجدَتِهَا … فَشكَا إلَيْه السّهلُ وَالجَبَلُ

شكوَى العَليلِ إلى الكَفيلِ لَهُ … أنْ لا تَمُرَّ بجِسْمِهِ العِلَلُ

قالَتْ فَلا كَذَبَتْ شَجاعَتُهُ … أقْدِمْ فنَفْسُكَ مَا لهَا أجَلُ

فَهُوَ النّهَايَةُ إنْ جَرَى مَثَلٌ … أوْ قيلَ يَوْمَ وَغىً منِ البَطَلُ

عُدَدُ الوُفُودِ العَامِدينَ لَهُ … دونَ السّلاحِ الشُّكلُ وَالعُقُلُ

فَلِشُكْلِهِمْ في خَيْلِهِ عَمَلٌ … وَلِعُقْلِهِمْ في بُخْتِهِ شُغُلُ

تُمْسِي على أيْدي مَوَاهِبِهِ … هِيَ أوْ بَقِيّتُهَا أوِ البَدَلُ

يُشْتَاقُ مِنْ يَدِهِ إلى سَبَلٍ … شَوْقاً إلَيْهِ يَنْبُتُ الأسَلُ

سَبَلٌ تَطُولُ المَكْرُماتُ بِهِ … وَالمَجْدُ لا الحَوْذانُ وَالنَّفَلُ

وَإلى حَصَى أرْضٍ أقَامَ بهَا … بالنّاسِ مِنْ تَقبيلِهِ يَلَلُ

إنْ لم تُخَالِطْهُ ضَوَاحِكُهُمْ … فَلِمَنْ تُصَانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ

في وَجْهِهِ مِنْ نُورِ خَالِقِهِ … غُرَرٌ هيَ الآيَاتُ وَالرّسُلُ

فإذا الخَميسُ أبَى السّجودَ لهُ … سَجَدَتْ لَهُ فيهِ القَنَا الذُّبُلُ

وَإذا القُلُوبُ أبَتْ حُكُومَتَهُ … رَضِيَتْ بحُكمِ سُيُوفِهِ القُلَلُ

أرَضِيتَ وَهشُوذانُ ما حكَمَتْ … أمْ تَسْتَزِيدَ لاُِمّكَ الهَبَلُ

وَرَدَتْ بِلادَكَ غيرَ مُغْمَدَةٍ … وَكَأنّهَا بَينَ القَنَا شُعَلُ

وَالقَوْمُ في أعيانِهِمْ خَزَرٌ … وَالخَيْلُ في أعيانِهَا قَبَلُ

فأتَوْكَ لَيسَ بمَنْ أتَوْا قِبَلٌ … بهِمِ وَلَيسَ بمَنْ نَأوْا خَلَلُ

لم يَدْرِ مَنْ بالرّيّ أنّهُمُ … فَصَلُوا وَلا يَدري إذا قَفَلُوا

وَأتَيْتَ مُعْتَزِماً وَلا أسَدٌ … وَمَضَيْتَ مُنهَزِماً وَلا وَعِلُ

تُعْطي سِلاحَهُمُ وَرَاحَهُمُ … مَا لمْ تَكُنْ لِتَنَالَهُ المُقَلُ

أسخَى المُلُوكِ بِنَقْلِ مَملَكَةٍ … مَنْ كادَ عَنْهُ الرّأسُ يَنتَقِلُ

لَوْلا الجَهَالَةُ مَا دَلَفْتَ إلى … قَوْمٍ غَرِقْتَ وَإنّمَا تَفَلُوا

لا أقْبَلُوا سِرّاً وَلا ظَفِرُوا … غَدْراً وَلا نَصَرَتْهُمُ الغِيَلُ

لا تَلْقَ أفرَسَ منكَ تَعْرِفُهُ … إلاّ إذا ما ضاقَتِ الحِيَلُ

لا يَسْتَحي أحَدٌ يُقَالُ لَهُ … نَضَلُوكَ آلُ بُوَيْهِ أوْ فَضَلُوا

قَدَرُوا عَفَوْا وَعدوا وَفَوْا سُئلوا … أغنَوْا عَلَوْا أعْلَوْا وَلُوا عَدَلوا

فَوْقَ السّمَاءِ وَفَوْقَ ما طلَبوا … فإذا أرادوا غايَةً نَزَلُوا

قَطَعَتْ مكارِمُهُمْ صَوَارِمَهمْ … فإذا تَعَذّرَ كاذِبٌ قَبِلُوا

لا يَشْهَرُونَ عَلى مُخالِفِهِمْ … سَيْفاً يَقُومُ مَقَامَهُ العَذَلُ

فأبُو عَليٍّ مَنْ بهِ قَهَرُوا … أبُو شُجَاعٍ مَنْ بِهِ كمَلُوا

حَلَفَتْ لِذا بَرَكاتُ غُرّةِ ذا … في المَهْدِ أنْ لا فَاتَهُ أمَلُ