أَمِنَ البحرِ صائغٌ عَبْقَرِيٌّ – أحمد شوقي
أَمِنَ البحرِ صائغٌ عَبْقَرِيٌّ … بالرمالِ النواعمِ البيضِ مغرى ؟
طاف تحتَ الضُّحَى عليهنَّ، والجوْ … هَرُ في سُوقِه يُباعُ ويُشْرَى
جئنهُ في معاصمٍ ونحوٍ … فكسا معصماً، وآخرَ عرى
وأبى أن يقلدَ الدرَّ واليا … قوتَ نحراً، وقلَّدَ الماسَ نحْرا
وترى خاتماً وراءَ بَنانٍ … وبَناناً من الخواتمِ صِفْرا
وسواراً يزينُ زندَ كعابٍ … وسواراً من زندِ حسناءَ فرّا
وترى الغِيدَ لُؤلؤاً ثَمَّ رَطْباً … وجماناً حوالي الماءِ نثرا
وكأَنَّ السماءَ والماءَ شِقَّا … صدفٍ، حمَّلا رفيفاً ودرَّا
وكأَنّ السماءَ والماءَ عُرْسٌ … مترعُ المهرجان لمحاً وعطرا
أَو رَبيعٌ من ريشة ِ الفنِّ أَبهَى … مِن ربيع الرُّبى ، وأَفتنُ زَهْرا
أو تهاويل شاعرٍ عبقريٍّ … طارحَ البحرَ والطبيعة َ شعرا
يا سواريْ فيروزجٍ ولجينٍ … بها حليتْ معاصمُ مصرا
في شُعاعِ الضُّحَى يعودان ماساً … وعلى لمحة ِ الأصائلِ تبرا
ومَشَتْ فيهما النّجومُ فكانت … في حواشيهما يواقيتَ زهرا
لكَ في الأرضِ موكبٌ ليس يألوالـ … ـريحَ والطيرَ والشياطينَ حشرا
سرتَ فيه على كنوز سليما … نَ تعدُّ الخُطى اختيالاً وكِبْرا
وتَرنَّمْتَ في الركابِ، فقلنا … راهبٌ طاف في الأَناجيل يَقرا
هو لحنٌ مضيَّعٌ، لا جواباً … قد عرفنا له، ولا مستقرا
لك في طيِّهِ حديثُ غرامٍ … ظلَّ في خاطر الملحنِ سرَّا
قد بعثنا تحيَّة ً وثناءً … لكَ يا أرفعَ الزواخر ذكرا
وغشيناكَ ساعة ً تنبشُ الما … ضي نبشاً، وتقتلُ الأمسَ فكرا
وفتحنا القديمَ فيك كتاباً … وقرأنا الكتابَ سطراً فسطرا
ونشرنا من طيهنَّ الليالي … فلَمَحنا من الحضارة ِ فَجْرا
ورأَينا مصراً تُعلِّمُ يونا … نَ، ويونانَ تقبِسُ العلمَ مصرا
تِلكَ تأْتيكَ بالبيانِ نبيّاً … عبقرياً، وتلك بالفنّ سحرا
ورأَينا المنارَ في مطلع النَّجْـ … ـمِ على برقِهِ المُلَمَّحِ يُسرى
شاطىء ٌ مثلُ رُقعة ِ الخُلدِ حُسناً … وأديمِ الشبابِ طيباً وبشرا
جرَّ فيروزجاً على فضة ِ الما … ءِ، وجرَّ الأصيلُ والصبح تبرا
كلما جئتهُ تهلل بشراً … من جميع الجهاتِ، وافترَّ ثغرا
انثنى موجة ً، وأقبلَ يرخي … كِلَّة ً تارة ً ويَرفعُ سِترا
شبَّ وانحطَّ مثلَ أَسرابِ طيرٍ … ماضياتٍ تلفُّ بالسهلِ وعرا
رُبما جاءَ وَهْدَة ً فتردَّى … في المهاوي، وقامَ يطفرُ صخرا
وترى الرملَ والقصورَ كأيكٍ … ركب الوكرُ في نواحيهِ وكرا
وتَرى جَوْسَقاً يُزَيِّنُ رَوْضاً … وترى رَبوة ً تزيِّنُ مصرا
سَيِّدَ الماءِ، كم لنا من صلاحٍ … و عليٍّ وراءَ مائكَ ذِكرى
كم مَلأْناكَ بالسَّفينِ مَواقِيـ … ـرَ كشُمِّ الجبالِ جُنداً ووَفرا
شاكياتِ السلاحِ يخرجنَ من مصـ … ـرٍ بملومة ٍ، ويدخلن مصرا
شارعاتِ الجناحِ في ثَبَجِ الما … ءِ كنسرٍ يشدُّ في السحب نسرا
وكأَنّ اللُّجاجَ حينَ تنَزَّى … وتسدُّ الفجاجَ كرَّا وفرَّا
أجمٌ بعضُهُ لبعضٍ عدوٌّ … زَحَفَتْ غابة ٌ لتمزيق أُخرَى
قذفتْ ههنا زئيراً وناباً … ورَمَت ههنا عُواء وظُفرا
أنتَ تغلي إلى القيامة ِ كالقدْ … رِ، فلا حطَّ يومها لكَ قدرا