أيها النائح المبكر مهلا – إبراهيم اليازجي

أيها النائح المبكر مهلا … جاوز الأمر دمعك المستهلا

شق من قبلنا الورى كل قلب … ولقد كان لو شفى النفس سهلا

إنما نحن ثاكل وصريع … ذاك يشقى وذاك في الترب يبلي

ليس أرض لم يسقها صوب دمع … أو سماء لم يشجها نوح ثكلي

نشر البين في البرايا لواء … فوق هاماتنا دنا فتدلى

كل نفس في دهرها رهن يوم … يترك الدهر بالذي فيه بطلا

ويل هذي القلوب كم تتلقى … جمرات بلوعة البين تصلى

نحسب الموت ظالماً ولعمري … يحسب الظلم في الولادة قبلا

ما بماء في حوصفه وتراب … أثر صح دهر أم أعلا

شغلتني الحياة عنها بما فيها … من الغم واستوى لي شغلاً

وذوت نضرتي بماء جفون … كلما سال زاد جسمي محلا

دون شكواي ما يجل عن الشكوى … وما عنه ضاق صبري وملا

ولعمري كيف الرثاء وعندي … ما يذود الرثاء عني ذهلا

ضاق بين مذهب الكلام ونفسي … من مجال الكلام أضيق سبلا

وعصاني نظم القريض فأمسى … كل بحر وردته منه ضحلا

يا سقى الله من بطون الغوادي … مضجعاً فيه ذلك البدر حلا

قد توارى في جانبيه فكاد النجم … يهوي في إثره حين ولى

طال فيه النواح من كل باك … لمصاب بالويل حل فجلا

يقطر الدمع في المحاجر ماء … فإذا انهل صار في الخد نبلا

حسرة في القلوب منه تليها … وحشة في العيون لا تتجلى

كان ركناً لمعشر فيه ثلت … ذروة العز منهم حين ثلا

وحساماً في النائبات براه … سيف حكم من جانب العرش سلا

أن طرفاً بكى على هبو الله … حر بالدماء يسفحن بذلا

وإذا جادت الصدور عليه … بقلوب فقد وهبن الأقلا

طوت الأرض منه أكرم ذات … طهرت في الكرام فرعاً وأصلا

وحوت منه في الفضائل روضاً … قد سقته سحائب الحلم وبلا

أحزم البارعين عقدا وحلا … وأجل الكرام وصفاً وحملا

دأبه النفع للبرايا فإن لم … يك يوماً فدفع ضر تولى

لم يزل صافي الفؤاد نقياً … لم تصل عنده الخبائث حبلا

سالم العرض عف قلباً وعيناً … طاهر النفس بر قولاً وفعلا

أيها القبر قم بحق نزيل … بك ما زال للكرامة أهلا

قد عرفناك خير ترب فهل تعرف … فضلاً في جانبيك ونبلا

ظل قطر الغمام فوقك يجري … وعلى من بك المراحم تتلى