أهدى التلاقي صُبْحَ وجهك مُسْفِرا – ابن سهل الأندلسي

أهدى التلاقي صُبْحَ وجهك مُسْفِرا … فحمدتُ عند الصبحِ عاقبة َ السرى

اللَّهُ أكبرُ قد رأيتُ بكَ الذي … يلقاهُ كلُّ مكبرٍ إن كبرا

أمنية ٌ كم أبطأتْ لكنْ حلتْ … كالنخلِ طابَ قطافُهُ وتأخّرا

ما ضرّني مَعْ رؤية ِ الحسنِ الرضى … أني أفارقُ موطناً أو مَعْشَرا

إذ أفقهُ كلُّ البلادِ وعصرهُ … كلُّ الزمانِ وشخصُهُ كلُّ الورى

دارُ المكارمِ والمناسكِ دارهُ … فتوخَّ فيها مشرعاً أو معشرا

دارٌ ترى درَّ الثناء منظماً … فيها ودرَّ المكرماتِ منثرا

إحسانُهُ مُتَيَقِّظٌ لِعُفَاتِهِ … ومن العلا الكرم الأكدرا كذا

تأميلُهُ نورٌ لقاصِدِ بابهِ … فتظنُّ مَنْ يسري إليه مُهَجِّرا

يلقَى ذوي الحاجاتِ مسروراً بهم … فَكأنَّ سائِلَهُ أتاهُ مبشِّرا

يَرْضَى الكفافَ تُقًى مِنَ الدنيا ولا … يرضى الكفافَ إذ تلمَّسَ مَفْخَرا

لم أدرِ قَبلَ سماحِهِ وبيانِهِ … أنَّ الفراتَ العذبَ يُعطي الجوهرا

يا أهلَ سبتة ٍ اشكروا آثارهُ … إنَّ المواهبَ قَيْدُها أن تُشكرا

هوَ بينكمْ سرُّ الهدى لكنهُ … لجلالهِ السرُّ الذي لنْ يسترا

هو فوقكمْ للأمنِ ظلٌّ سابغٌ … لو أنَّ ظلاًّ قدْ أضاءَ ونورا

ما كلُّ ذي مجدٍ رأيتمْ قبلهُ … إلا العجالة َ سبقتْ قبلَ القرى

أغناكمُ وأزال رجساً عنكُمُ … كاغيثِ أخصبَ حيثُ حلَّ وطهرا

فالأُسْدُ من صولاتِهِ مذعورة ٌ … والطيرُ من تأمينهِ لَن تُذْعَرا

فهوَ الذي سفك الهباتِ مؤملاً … وهوَ الذي حَقَنَ الدماءَ مدبِّرا

فكسانيَ الآمال غيثاً أخضراً … و كفى بني الأوجالِ موتاً أحمرا

استخلصَ ابنُ خلاصٍ الهمَمَ التي … بلغَ السماءَ بها ويبغي مظهرا

ملءُ المَسامِعِ منطقاً، ملءُ الجوا … نحِ هيبة ً ، ملءُ النواظرِ منظرا

لو أنَّ عِند النجمِ بَعضَ خلالِهِ … ما كان في رأي العيون ليصغرا

لما تكررَ كلَّ حينٍ حمدهُ … نسيَ الورى ثقلَ الحديثِ مكررا

سهلتْ لهُ طرقُ العلا فتخالهُ … مهما ارتقى في صعبها متحدرا

فردٌ تصدقُ من عجائبِ مجدهِ … ما في المسالكِ والممالكِ سطرا

ما إن يزالُ لما أنال من اللُّها … مُتَناسِياً ولِوَعْدِهِ مُتَذكِّرا

يا كعبة ً للمجدِ طافَ محلقاً … مجدُ السماك بها فعادَ مقصرا

أطْوَادُ عزٍّ فَوْقَ أنْجَد نائلٍ … و كأنما بركانها نارُ القرى

يا رحمة ً بالغربِ شاملة ً بدتْ … فِيهِ أعمَّ من النهارِ وأشْهَرا

حمصُ التي تدعوك : جهزْ دعوة … لغياثها إنْ لَمْ تجهّزْ عَسكَرا

قد شمتُ بهجتَها مولّية ً على … حرفٍ كما زار النسيبُ معذرا

حُفّتْ مَصانِعُها الأنيقة ُ بالعدا … فترى بساحة ِ كلِّ قصرٍ قيصرا

ما تعدمُ النظراتُ حسناً مقبلاً … منها ولا الحسراتُ حظاً مدبرا

نفسي قد اختارتْ جواركَ عودة ً … فلترحمِ المتحيرَ المتخيرا

إنْ ضلَّ غيرك وهوَ أكثرُ ناصراً … ونهضتَ للإسلامِ وحدكَ مُظْهرا

فالبحرُ لا يروي بكثرة ِ مائهِ … ظمأً ورُبَّ غمامة ٍ تُحيي الثرى

كم غبتُ عنك وحُسنُ صُنعك لم يزل … عندي عبيراً حيثُ كنتَ وعنبرا

و النبتُ عن لقيا الغمامِ بمعزلٍ … ويبيتُ يشربُ صَوْبَه المستغزرا

تنأى وتدنو والتفاتك واحدٌ … كالفعلِ يعملُ ظاهراً ومقدرا

لم أدرِ قبل فراقكُمْ أنَّ العُلا … أيضاً تسومُ محبَّها أنْ يَسْهَرا

كَفّاكَ تُقْتُ إليهما وأراهُما … لعلاجِ سُقمي زمزماً والكوثرا

فامْدُدْ أُقبّلْ ثمَّ أحلفُ أنّني … قبلتُ في الأرضِ السحابَ الممطرا