أهاج لك الشوق القديم خياله – الفرزدق

أهاجَ لَكَ الشّوْقَ القَدِيمَ خَيالُهُ … مَنَازِلُ بَيْنَ المُنْتَضَى وَمُنِيمِ

وَقَدْ حالَ دُوني السّجنُ حتى نسيتُها … وَأذْهَلَني عَنْ ذِكْرِ كُلِّ حَمِيمِ

على أنّني مِنْ ذِكْرِهَا كُلَّ لَيلَةٍ … كَذِي حُمَةٍ يَعْتَادُ داءَ سَلِيمِ

إذا قِيلَ قَدْ ذَلّتْ لَهُ عَنْ حَيَاتِهِ … تُراجِعُ مِنْهُ خَابِلاتِ شَكِيمِ

إذا ما أتَتْهُ الرّيحُ منْ نَحْوِ أرْضِهَا، … فَقُلْ في بَعِيدِ العائِداتِ سَقيمِ

فإنْ تُنكِرِي ما كنتِ قَدْ تَعرِفِينَهُ، … فَمَا الدّهْرُ مِنْ حالٍ لَنَا بِذَمِيمِ

لهُ يَوْمُ سَوْءٍ ليْسَ يُخطىءُ حظُّه، … وَيَوْمُ تَلاقَى شَمْسُهُ بِنَعِيمِ

وَقَدْ عَلِمَتْ أنّ الرّكابَ قد اشتكتْ … مَوَاقِعَ عُرْيَانٍ مَكَانَ كُلُومِ

تُقاتِلُ عَنْهَا الطّيرَ دُونَ ظُهورِهَا … بأفوَاهِ شُدْقٍ غَيرِ ذاتِ شُحُومِ

أضَرّبهِنّ البُعْدُ مِنْ كُلّ مَطَلبٍ … وَحاجاتُ زَجّالٍ ذَوات هُمُومِ

وَكَمْ طَرّحَتْ رَحْلاً بكلّ مَفازَةٍ … مِنَ الأرْضِ في دَوّيّةٍ وَحُزُومِ

كَأحْقَبَ شَحّاج بِغَمْرَة قارِبٍ … بِلِيتَيْهِ آثَارٌ ذَوَاتُ كُدُومِ

إذا زَخَرَتْ قَيْسٌ وَخِنْدِفُ وَالتَقى … صَمِيماهُما، إذْ طَاحَ كلُّ صَميمِ

وَما أحَدٌ مِنْ غَيرِهمْ بطَرِيقِهِمْ … مِنَ النّاسِ، إلاّ مِنْهُمُ بمُقِيمِ

وَكَيْفَ يَسيرُ النّاسُ قَيسٌ وَرَاءَهم … وَقَدْ سُدّ ما قُدّامَهُمْ بتَمِيمِ

سَيَلقى الذي يَلقى خُزَيْمَةُ منهُمُ، … لَهُمْ أمّ بَذّاخِينَ غَيرَ عَقِيمِ

هُما الأطْيَبانِ الأكْثَرانِ تَلاقَيَا … إلى حَسَبٍ عِنْدَ السّمَاءِ قَدِيمِ

فَمَنْ يَرَ غَارَيْنَا، إذا ما تَلاقَيَا، … يَكُنْ مَنْ يَرَى طَوْدَيْهِما كأمِيمِ

أبَتْ خِنْدِفٌ إلاّ عُلُوّاً وَقَيْسُها، … إذا فَخَرَ الأقْوَامُ، غَيرَ نُجُومِ

وَنَحْنُ فَضَلْنَا النّاسَ في كلّ مَشهدٍ … لَنَا بحَصىً عالٍ لَهُمْ وَحُلومِ

فإنْ يَكُ هذا النّاسُ حَلّفَ بَيْنَهُمْ … عَلَيْنَا لَهُمْ في الحَرْبِ كلُّ غَشومِ

فَإنّا وَإيّاهُمْ كَعَبْدٍ وَرَبِّهِ، … إذا فَرّ مِنْهُ رَدّهُ بِرُغُومِ

وقَدْ عَلِمَ الدّاعي إلى الحَرْبِ أنّني … بجَمْعِ عِظامِ الحَرْبِ غَيرُ سؤومِ

إذا مُضَرُ الحَمَرَاءُ يَوْماً تَعَطّفَتْ … عَليّ وَقَدْ دَقّ اللّجامَ شَكِيمي

أبَوْا أنْ أسُومَ النّاسَ إلاّ ظُلامَةً، … وَكُنْتُ ابن ضِرْغامِ العَدُوِّ ظَلُومِ