أنهضهُ في أوانِ إنهاضِهِ – ابن الرومي

أنهضهُ في أوانِ إنهاضِهِ … غيثٌ دعا طرفهُ بإيماضِهِ

أبْرقَ برقاً كأن لائحهُ … من أُفقِ الخير نار حُرّاضِهِ

فشدّ أنقاضه بأرحُلها … إلى غزيرِ النّوال فيّاضِهِ

مشتركُ الحوضِ في الجميع إذا … ذادت عن الحوض كفُّ مُحتاضه

ينزلُ أضيافُهُ بذي كرم … مُبصبِص الكلب غير عضّاضه

يظلُّ يبكيهمْ إذا رحلُوا … بُكاءَ غَيْلان بنت فضّاضه

سمحٌ ببذل القِرى سماحَ فتًى … سَلَّمَ عِرض القرى لعرّاضه

لا يُشفق المستعيدُ نائله … من وشك إملاله وإعراضه

يفرضُ ما اطَّوَّع الجواد وما … مُطوِّعو الجود مثلَ فُرّاضه

لا يبذلُ الرّفد حين يبذُله … كمشتري الجودِ أو كمقتاضه

بل يفعلُ العُرفَ حين يفعلُه … لجوهر العرفِ لا لأعراضِه

يفديه قومٌ يتاجرون به … أغراضهُمْ فيه غيرُ أغراضه

في وعده من نواله عِوضٌ … أملأُ شيء لكفّ معتاضه

مُقلّمُ الدهر ما بدا ظُفرٌ … للدهر إلا انبرى بِمقراضِهِ

إذا دعا الشِّعرَ مادحوه له … أقبل مُعتاصُه كمرتاضه

أيسرُ ما يشكرُ القريضُ له … تسهيلهُ قرضَهُ لقرّاضه

يمّمه بالمديح شاعرهُ … طريدَ إملاقه وإنفاضه

يرجُو لديه غِنى يحطُّ به … رِحاله عن ظُهورِ أنقاضِه

كُفِّي من الدَّمع يا مثبِّطتي … عن زمِّ سامي التَّليل نهّاضِه

قد يُقعِد المرءَ طولُ رحلتِه … ويُصمتُ الرَّحل طولُ إنقاضه

كم تقنعُ النفس بالكفافِ وكم … تتركُ خوضَ الغِنَى لخُواضه

لي هِمة ٌ لم يكن ليرويها … إلا من البحرِ بعضُ أحواضه

حان رحيلي إلى أبي حسنٍ … مُبرمِ إقليمه ونقّاضه

حكيمه المقتدى بحكمته … طبيبه المرتَجى لأمراضه

سائس تدبيره ورائِضه … كخير سُوَّاسه وروَّاضه

حُوّله في الخطوبِ قُلّبه … حيّته في الدهاء نَضْنَاضه

صاحِب شورى الملوك مفْزعهم … إليه في الخطب عند إرْماضِهِ

إذا استشاروه جاءَ من كَثبٍ … بزُبدة الرأي دون مخاضه

تكلؤُهم منه في مضاجِعهم … عينا رُواعِ الفؤاد نبّاضه

يرعى عليهمْ أُمورَ مملكة ٍ … قامتْ بإخلاله وإحماضه

يُلطفُ كيد العدى ويُغْمضُه … طبّا بإلطافه وإغماضه

لو فتكتْ مرة ً مكائِدُهُ … بالدهر أنستْه فتك برّاضه

مكائدٌ لو رمى بها جبلا … صارت جلامِيدُه كرضراضه

مِدره أهلِ الصلاة كم دُحِضتْ … للكفر من حجة ٍ بإدحاضه

يُردى بمِرْدى من الحِجاج له … دمّاغ رأس الضلالِ هضّاضه

حسبُ أخي جُنَّة ٍ بكيّته … وحسبُ ذي عُرّة بخضخاضه

يُثني عليه بذاك حاسدُه … على مُعاداته وإبغاضه

سابق مضمار كلّ مكرمة ٍ … أعيتْ على راكضٍ وتركاضِه

يدرك ما تُوفض السعاة ُ له … من المعالي بدون إيفاضه

أصبح كالكُل من جلالته … وسائرُ الخلق مثلُ أبعاضِه

إن لم يعبهُ بذاك عائبُه … فما له عائبٌ ولا عاضه

لولا عليُّ العِلا ومِنّتُهُ … غادرني الدهرُ بعض أحراضه

أنهضني بعدما رزَحْتُ وكمْ … من رازحٍ ناهضٍ بإنهاضه

يا حاسدي لا خلوتَ من حسدٍ … حظكَ منه أليمُ إمضاضهِ

أعتبني الدهر بعد معتِبهِ … فغاضب الدهر فيّ أوراضِه

زرتُ ابن يحيى الذي يؤمِّلُه … كلُّ أجبّ السَّنام مُنتاضِه

فردّني مُثرياً وفضفض لي … عيشي وقد كنتُ غيرَ فضفاضِه

ومهّدتْ مضجعي يداهُ فقد … لاءمَ جنبيّ بعد إقضاضه

وماصَ عِرضي فردّهُ يققا … كالثوب أنقتُه كفُّ رحّاضه

لمّا بدا لي بشيرُ غُرته … وراع دهري نذيرُ إنباضه

أقبلَ حظي عليّ مبتسماً … من بعد تعبيسِهِ وإعراضه

وظلّ دهري له مُلاوِذَهُ … من خوف سهم الرّدى ومقراضه

لا تعدم الدهرَ يا أبا حسنٍ … جبرَ كسير الجناح منهاضِه

كفُلتَ هذا الأنام تُقرضُهُم … عُرفاً إلى الله شكرَ إقراضه

حتى كفلتَ الفِراخ كامنة ً … في البيض قبل انقياض مُنقاضه

تكدحُ للناس كدحَ مجتهدٍ … ركّابِ ظهرِ الدُؤوبِ ركّاضه

خَفَضْت فيهم جناح مَرحمة ٍ … قد قلّ جدا عديدُ خُفاضه