أنا لائمي إن كنت وقت اللوائم – المتنبي

أنا لائمي إنْ كنتُ وقتَ اللّوائِمِ … عَلِمتُ بما بي بَينَ تلكَ المَعالِمِ

ولَكِنّني مِمّا شُدِهْتُ مُتَيَّمٌ … كَسالٍ وقَلبي بائحٌ مثلُ كاتِمِ

وقَفْنا كأنّا كُلُّ وَجْدِ قُلُوبِنَا … تَمَكّنَ مِن أذْوادنا في القَوائِمِ

ودُسْنا بأخْفافِ المَطي تُرابَهَا … فَما زِلْتُ أستَشفي بلَثْمِ المَناسِمِ

دِيارُ اللّواتي دارُهُنّ عَزيزَةٌ … بِطُولَى القَنا يُحفَظنَ لا بالتّمائِمِ

حِسانُ التّثَنَّي يَنقُشُ الوَشْيُ مثلَهُ … إذا مِسْنَ في أجسامِهِنّ النّواعِمِ

ويَبسِمْنَ عَن دُرٍّ تَقَلَّدْنَ مثلَهُ … كأنّ التّراقي وُشّحَتْ بالمَباسِمِ

فما لي وللدّنْيا طِلابي نُجومُها … ومَسعايَ منها في شُدوقِ الأراقِمِ

من الحِلمِ أنْ تَستَعمِلَ الجهلَ دونَه … إذا اتّسعتْ في الحِلمِ طُرْقُ المظالِمِ

وأنْ تَرِدَ الماءَ الذي شَطْرُهُ دَمٌ … فتُسقَى إذا لم يُسْقَ مَن لم يُزاحِمِ

ومَنْ عَرَفَ الأيّامَ مَعرِفتي بها … وبالنّاسِ رَوّى رُمحَهُ غيرَ راحِمِ

فَلَيسَ بمَرْحُومٍ إذا ظَفِروا بهِ … ولا في الرّدى الجاري عَلَيهم بآثِمِ

إذا صُلْتُ لم أترُكْ مَصالاً لفاتِكٍ … وإنْ قُلتُ لم أترُكْ مَقالاً لعالِمِ

وإلاّ فخانَتْني القَوافي وعاقَني … عنِ ابنِ عُبيدِالله ضُعْفُ العَزائِمِ

عَنِ المُقْتَني بَذْلَ التِّلادِ تِلادَهُ … ومُجْتَنِبِ البُخلِ اجتِنابَ المَحارِمِ

تَمَنّى أعاديهِ مَحَلَّ عُفاتِهِ … وتَحْسُدُ كَفّيْهِ ثِقالُ الغَمائِمِ

ولا يَتَلَقّى الحرْبَ إلاّ بمُهْجَةٍ … مُعَظَّمَةٍ مَذْخُورَةٍ للعَظائِمِ

وذي لجَبٍ لا ذو الجَناحِ أمَامَهُ … بنَاجٍ ولا الوَحشُ المُثارُ بسالِمِ

تَمُرّ عَلَيْهِ الشّمسُ وهْيَ ضَعيفَةٌ … تُطالِعُهُ من بَينِ رِيش القَشاعِمِ

إذا ضَوْؤُها لاقَى منَ الطّيرِ فُرْجَةً … تَدَوّرَ فَوْقَ البَيضِ مثلَ الدراهِمِ

ويَخْفى عَلَيكَ الرّعدُ والبرْقُ فوْقَهُ … منَ اللّمعِ في حافاتِهِ والهَماهِمِ

أرَى دونَ ما بَينَ الفُراتِ وبَرْقَةٍ … ضِراباً يُمِشّي الخَيلَ فوْقَ الجماجمِ

وطَعنَ غَطارِيفٍ كأنّ أكُفّهُمْ … عَرَفنَ الرُّدَيْنِيّاتِ قبلَ المَعاصِمِ

حَمَتْهُ على الأعداءِ من كلّ جانبٍ … سُيوفُ بني طُغجَ بن جُفّ القَماقِمِ

هُمُ المُحسنونَ الكرَّ في حومةِ الوَغى … وأحْسَنُ منهُ كَرُّهُمْ في المَكارِمِ

وهم يحسنُونَ العَفْوَ عن كلّ مُذنبٍ … ويحتَمِلونَ الغُرْمَ عن كلّ غارِمِ

حَيِيّونَ إلاّ أنّهُمْ في نِزالِهِمْ … أقَلُّ حَيَاءً مِنْ شِفارِ الصّوارِمِ

ولَوْلا احتِقارُ الأُسدِ شَبّهتُهمْ بها … ولكِنّها مَعدودَةٌ في البَهائِمِ

سرَى النّوْمُ عني في سُرايَ إلى الذي … صَنائِعُهُ تَسرِي إلى كلّ نائِمِ

إلى مُطلِقِ الأسرَى ومُختَرِمِ العِدى … ومُشكي ذوي الشّكوَى ورَغمِ المُراغمِ

كريمٌ لَفَظتُ النّاسَ لمّا بَلَغْتُهُ … كأنّهُمُ ما جَفّ مِنْ زادِ قادِمِ

وكادَ سروري لا يَفي بنَدامَتي … على تَرْكِهِ في عُمْرِيَ المُتَقَادِمِ

وفارَقْتُ شرّ الأرْضِ أهْلاً وتُرْبَةً … بها عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غيرُ هاشِمِ

بَلا الله حُسّادَ الأميرِ بحِلْمِهِ … وأجْلَسَهُ مِنهُمْ مكانَ العَمائِمِ

فإنّ لهمْ في سُرْعَةِ المَوْتِ راحَةً … وإنّ لهُمْ في العَيشِ حَزَّ الغَلاصِمِ

كأنّكَ ما جاوَدْتَ مَن بانَ جودُهُ … عَلَيكَ ولا قاوَمْتَ مَنْ لم تُقاوِمِ