أنا ابن العاصمين بني تميم – الفرزدق

أنَا ابنُ العَاصِمِينَ بَني تَمِيمٍ، … إذا مَا أعْظَمُ الحَدَثَانِ نَابَا

نَمَا في كُلّ أصْيَدَ دارِمِيٍّ … أغَرَّ تَرَى لِقُبّتِهِ حِجَابَا

مُلُوكٌ يَبْتَنُونَ تَوَارَثُوهَا … سُرَادِقَهَا المَقَاوِلُ وَالقِبَابَا

مِنَ المُسْتَأذَنِينَ تَرَى مَعَدّاً … خُشُوعاً خَاضِعِينَ لَهُ الرّقَابَا

شُيُوخٌ مِنْهُمُ عُدُسُ بنُ زَيْدٍ … وَسُفْيَانُ الّذي وَرَدَ الكُلابَا

يَقُودُ الخَيْلَ تَرْكَبُ من وَجاها … نَوَاصِيَهَا وَتَغْتَصبُ الرّكَابَا

تَفَرّعَ في ذُرَى عَوْفِ بنِ كَعْبٍ … وَتَأبَى دارِمٌ لي أنْ أُعَابَا

وَضَمْرَةُ وَالمُجَبِّرُ كَانَ مِنْهُمْ … وَذو القَوْسِ الذي رَكَزَ الحِرَابَا

يَرُدّونَ الحُلُومَ إلى جِبَالٍ، … وَإنْ شاغَبْتَهُمْ وَجَدوا شِغابَا

أُولاكَ وعيْرِ أُمّكَ لَوْ تَرَاهُمْ … بعَيْنِكَ ما استطَعتَ لهمْ خطابَا

رَأيْتَ مَهابَةً وَأُسُودَ غَابٍ … وَتَاجَ المُلْكِ يَلْتَهِبُ التِهَابَا

بَنُو شَمْسِ النّهارِ وَكُلّ بَدْرٍ … إذا انْجابَتْ دُجُنّتُهُ انْجِيابَا

فَكَيْفَ تُكَلّمُ الظَّرْبَى عَليها … فِرَاءُ اللُّؤمِ أرْبَاباً غِضَابَا

لَنَا قَمَرُ السّمَاءِ عَلى الثّرَيّا، … وَنحَنُ الأكثرُونَ حَصىً وَغَابَا

وَلَسْتَ بِنَائِلٍ قَمرَ الثّرَيّا … وَلا جَبَلي الذي فَرَعَ الهِضَابَا

أتَطْلُبُ يَا حِمَارَ بَني كُلَيْبٍ … بَهانَتِكَ اللّهامِيمَ الرِّغَابَا

وَتَعْدِلُ دارِماً بِبَني كُلَيْبٍ، … وَتَعْدِلُ بالمُفَقِّئَةِ السِّبَابَا

فَقْبّحَ شَرُّ حَيّيْنَا قَدِيماً، … وَأصْغَرُهُ إذا اغتَرَفُوا ذِنَابَا

وَلمْ تَرِثِ الفَوَارِسَ مِنْ عُبَيْدٍ … وَلا شَبَثاً وَرِثْتَ وَلا شِهَابَا

وَطاحَ ابنُ المَرَاغَةِ حينَ مَدّتْ … أعِنّتُنَا إلى الحَسَبِ النِّسَابَا

وَأسْلَمَهُمْ وَكانَ كَأُمّ حِلْسٍ … أقَرّتْ بَعْدَ نَزْوَتِها، فَغَابَا

وَلَمّا مُدّ بَينَ بَني كُلَيْبٍ … وَبَيْني غَايةٌ كَرِهُوا النِّصَابَا

رَأوْا أنّا أحَقُّ بِآلِ سَعْدٍ، … وَأنّ لَنَا الحَناظِلَ والرِّبَابَا

وأنّ لَنَا بَني عَمْروٍ عَلَيْهِمْ … لَنَا عَدَدٌ مِنَ الأثَرَيْنِ ثَابَا

ذبابٌ طارَ في لَهَواتِ لَيْثٍ … كَذَاكَ اللَّيْثَ يَلْتَهِمُ الذُبَابَا

هِزَبْرٌ يَرْفِتُ القَصَرَاتِ رَفْتاً، … أبَى لِعُداتِهِ إلاّ اغْتِصَابَا

مِنَ اللاّئي إذا أُرْهِبْنَ زَجْراً … دَنَوْنَ وَزَادَهُنّ لَهُ اقْتِرَابَا

أتَعْدِلُ حَوْمَتي بِبَني كُلَيْبٍ، … إذا بَحرِي رَأيْتَ لَهُ اضْطِرَابَا

تَرُومُ لِتَرْكَبَ الصُّعَداءَ مِنْهُ، … وَلَوْ لُقْمَانُ سَاوَرَهَا لَهَابَا

أتَتْ مِنْ فَوْقِهِ الغَمَرَاتُ مِنْهُ … بِمَوْجٍ، كادَ يَجتَفِلُ السّحابَا

تَقاصَرَتِ الجِبَالُ لَهُ وَطَمّتْ … بِهِ حَوْمَاتُ آخَرُ قَدْ أنَابَا

بِأيّةِ زَنْمَتَيْكَ تَنَالُ قَوْمي … إذا بَحْرِي رَأيْتَ لَهُ عُبَابَا

تَرَى أمْوَاجَهُ كَجِبَالِ لُبْنى … وطَوْدِ الخَيْفِ إذْ مَلأ الجَنَابَا

إذا جَاشَتْ دُرَاهُ بِجُنْحِ لَيْلٍ … حَسِبْتَ عَلَيْهِ حَرّاتٍ وَلابَا

مُحِيطاً بالجِبَالِ لَهُ ظِلالٌ … مَعَ الجَرْبَاءِ قَدْ بَلغَ الطِّبَابَا

فَإنّكَ مِنْ هِجَاءِ بَني نُمَيرٍ، … كَأهلِ النّارِ إذْ وَجَدوا العَذَابَا

رَجَوْا من حَرّها أنْ يَسْتَرِيحُوا، … وقَدْ كانَ الصّديدُ لَهُمْ شَرَابَا

فَإنْ تَكُ عا… أثْرَتْ وَطابَتْ … فَما أثْرَى أبُوكَ وَمَا أطَابَا

وَلمْ تَرِثِ الفَوَارِسَ مِنْ نُمَيرٍ، … وَلا كَعْباً وَرِثْتَ وَلا كِلابَا

وَلَكِنْ قَدْ وَرِثْتَ بَني كُلَيْبٍ … حَظائرَهَا الخَبيثَةَ وَالزِّرَابَا

وَمَنْ يَختَرْ هَوَازِنَ ثمّ يَخْتَرْ … نُمَيراً يَخْتَرِ الحَسَبَ الُّلبَابَا

وَيُمْسِكْ مِنْ ذُرَاها بالنّوَاصي … وَخَيرِ فَوَارِسٍ عُلِمُوا نِصَابَا

هُمُ ضَرَبُوا الصّنَائَع وَاسْتَباحُوا … بمَذِحجَ يَوْمَ ذي كَلَعٍ ضِرَابَا

وَإنّكَ قَدْ تَرَكْتَ بَني كُلَيْبٍ … لِكُلّ مُناضِلٍ غَرَضاً مُصَابَا

كُلَيْبٌ دِمْنَةٌ خَبُثَتْ وَقَلّتْ … أبَى الآبي بِهَا إلاّ سِبَابَا

وَتَحْسِبُ مِنْ مَلائِمِهَا كُلَيْبٌ … عَلَيْها النّاسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا

فَأغْلَقَ مِنْ وَرَاءِ بَني كُلَيْبٍ … عَطِيّةُ مِنْ مَخازِي اللّؤمِ بَابَا

بِثَدْيِ الّلؤمِ أُرْضِعَ للمَخازِي، … وَأوْرَثَكَ المَلائِمَ حِينَ شَابَا

وَهَلْ شَيْءٌ يَكُونُ أذَلَّ بَيْتاً … مِنَ اليَرْبُوعِ يَحْتَفِرُ التّرَابَا

لَقَدْ ترَكَ الهُذَيْلُ لَكُمْ قَديماً … مَخازِيَ لا يَبِتْنَ عَلى إرَابَا

سَمَا برِجَالِ تَغْلِبَ مِنْ بَعيدٍ … يَقُودُونَ المُسَوَّمَةَ العِرَابَا

نَزَائِعَ بَينَ حُلاّبٍ وَقَيْدٍ … تُجَاذِبُهُمْ أعِنّتَهَا جِذَابَا

وَكَانَ إذا أنَاخَ بدارِ قَوْمٍ … أبُو حَسّانَ أوْرَثَهَا خَرَابَا

فَلَمْ يَبْرَحْ بِهَا حَتى احتَوَاهُمْ … وَحَلّ لَهُ التّرَابُ بهَا وَطَابَا

عَوَانيَ في بني جُشَمَ بنِ بَكرٍ، … فَقَسّمَهُن إذْ بَلَغَ الإيَابَا

نِسَاءٌ كُنّ يَوْمَ إرَابَ خَلّتْ … بَعولَتَهُنّ تَبْتَدِرُ الشِّعَابَا

خُوَاقُ حِياضِهِنّ يَسِيلُ سَيْلاً … على الأعقابِ تَحْسِبُهُ خِضَابَا

مَدَدْنَ إلَيْهِمُ بِثُدِيّ آمٍ … وَأيْدٍ قَدْ وَرِثْنَ بِهَا حِلابَا

يُنَاطِحْنَ الأوَاخِرَ مُرْدَفَاتٍ، … وَتَسْمَعُ مِنْ أسَافِلِهَا ضِغابَا

لَبِئْسَ اللاّحِقُونَ غَداةَ تُدعَى … نِسَاءُ الحَيّ تَرْتَدِفُ الرّكَابَا

وَأنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلى المَطَايَا … تَشِلُّ بِهِنّ أعْرَاءً سِغَابَا

فَلَوْ كانَتْ رِمَاحُكُمُ طِوالاً … لَغِرْتُمُ حِينَ ألْقَيْنَ الثّيَابَا

يَئِسْنَ مِنَ اللَّحَاقِ بِهنّ مِنكُم … وَقَدْ قَطَعُوا بهِنَّ لوىً حدابَا

فَكَمْ مِنْ خَائِفٍ لي لمْ أضِرْهُ، … وَآخَرَ قَدْ قَذَفْتُ لَهُ شِهَابَا

وَغُرٍّ قَدْ نَسَقْتُ مُشَهَّرَاتٍ، … طَوَالِعَ لا تُطِيقُ لهَا جَوَابَا

بَلَغْنَ الشّمسَ حيثُ تكون شرْقاً، … وَمَسْقطَ قَرْنِها من حَيثُ غَابَا

بِكِلّ ثَنِيّةٍ وَبِكُلّ ثَغْرٍ … غَرَائبُهُنّ تَنْتَسِبُ انْتِسَابَا

وَخالي بِالنَّقَا تَرَكَ ابنَ لَيْلى … أبَا الصَّهْباءِ مُحْتَفِزاً لِهَابَا

كَفَاهُ التَّبْلَ تَبْلَ بَني تَمِيمٍ … وَأجْزرَهُ الثّعَالِبَ وَالذّئَابَا