أمنك الذكر يعصف بالقلوب – أحمد محرم
أمنك الذكر يعصف بالقلوب … ويقذف بالمضاجع والجنوب
لأنت على ركودك مستطير … من الأرواح مطرد الهبوب
تظل قواه إن ونت الليالي … حثاث الكر ممعنة الدؤوب
قضيت الدهر مالك من قرار … ولا بك في اعتزامك من لغوب
جعلت نصيب نفسك أن تراها … وما للموت فيها من نصيب
لنعم فتى الكنانة غير واه … إذا جد البلاء ولا هيوب
وما بعض الحماة وإن تغالى … بثبت في الخطوب ولا صليب
إذا ضاق الخناق به تنحى … يلوذ بكل مرتكض رحيب
يميل مع الشمال فان تناهت … بها الغايات مال مع الجنوب
بمن يثق السواد إذا تبارى … سماسرة المقنعة الخلوب
ومن يحمي البلاد إذا رمتها … بنات الدهر باليوم العصيب
طبيب النيل هل للنيل شاف … وهل للداء بعدك من طبيب
ألم تر كيف أخطأ كل آس … ومن لك بالنطاسي المصيب
هوى الوطن الجريح وكنت قدما … تضم جوانب الجرح الرغيب
على الدنيا العفاء إذا تولى … أطباء الممالك والشعوب
أتى زمن النعاة فما لمصر … سوى طول التفجع والنحيب
أتنظر نكبة الوطن المذكى … وتسمع صيحة الشعب الحريب
إذا ما مصر زلزل جانباها … فمن خفقان قلبك والوجيب
وإن جرت الرياح بها لهيبا … فتلك حرارة الوجد المذيب
كفاك أما تزال أخا هموم … كعهدك قبل عادية المغيب
حملت جوى المشوق وأنت ثاو … بوادي الموت للوادي الخصيب
مضى الشهداء ليس لهم نقيب … فكنت لهم بمنزلة النقيب
تبارك وجه من أعطاك وجها … يضيء جوانب الجدث المهيب
ترف الحور والولدان شوقا … إلى ما فيه من ترف وطيب
تنزه في الحياة عن الدنايا … وصين عن القوادح والعيوب
يريك جلاله الحرم المحلى … وعتق المصحف الأنق العجيب
خطيب الأمتين أعن ملال … تركت الأمتين بلا خطيب
أهب بالغافلين وقل بلادي … دعوتك باسم ربك فاستجيبي
بلادي كيف أنت على العوادي … وماذا ذقت من عنت الخطوب
بلادي هل صدقت الجد بعدي … أم استغنيت بالأمل الكذوب
بلادي هل درجت على سبيلي … وملت عن المسارب والدروب
أرى شيعا وأحزابا غضابا … لغير الله والوطن الغضوب
أرى سلبا يطيح على أكف … تراش سهامها بيد السليب
أرى شعبا يقاد إلى المنايا … فيذهب ممعنا خبب الجنيب
برئت من الكنانة إن أقامت … على تلك المآثم والذنوب
إمام المهتدين أفض علينا … من النور المحجب في الغيوب
ألست ترى السواد طغى عليه … ظلام الموقف الخطر الرهيب
تركت الأمر مجتمعا فأمسى … كثير السبل مختلف الضروب
وكان الحق للأقوام دينا … فبدل كل أواه منيب
ألا أرنا مناسكنا فإنا … من الأحبار في أمر مريب
هم اتخذوا الشرائع مسرجات … مذللة الغوارب للركوب
تحامى العدوة القصوى وتهوي … براكبها إلى الأمد القريب
رعاة الشعب طاع لههم فأمسى … بواد من سياستهم جديب
يمارس فيه شرة كل ضار … سريع الشد مستعر الوثوب
يصول بحد أعصل ذي صريف … وصلت من دم القتلى خضيب
ولم أر كالشعوب تساس فوضى … وتؤخذ بالمخالب والنيوب
رمى الأبصار ساحرها فزاغت … وران هوى النفوس على القلوب
فما عرف النصيح من المداجي … ولا وضح الصريح من المشوب
أيخذل في الكنانة كل حر … وينصر كل صخاب شغوب
ويمنع ذو القضاء الحق منا … ويقضي كل أزور ذي نكوب
ويرمى ذو البراءة من ذوينا … بملء والأرض من إثم وحوب
يعاب المرء يصدق من يوالي … ويصبر للشدائد والكروب
ويحمد كل مختلف المساعي … إلى الاقوام جياء ذهوب
يريك ضحى لباس فتى أمين … فإن لبس الظلام فذو دبيب
يكاد من التلصص والتخفى … يشق السبل في عين الرقيب
لتلك الجاهلية أو أراها … حكومة غير ذي النصف اللبيب
لدين الجاهلية كان أدنى … إلى الإسلام منها والصليب
سنيحك ربنا أبكل جو … محلق بارح عجل النعيب
أما يتهلل المحزون إلا … رمته يد الحوادث بالشحوب
فوا أسفي لآمال حسان … هززت لهن أعطاف الطروب
غرسناهن خضرا يانعات … فأخلفهن كل حيا سكوب
ذوين فكن لي ولكل حر … أواخر نضرة العيش الرطيب
أراقب دولة الخلف المرجى … وأخشى ما أصاب بني عتيب
فيا وطنا وهبت له شبابي … وما رعت المروءة من مشيبي
لأجلك ما حييت أعيش حرا … وفيك أموت موت فتى نجيب
ظلمتك إن رضيت عقوق خل … سواك أو احتملت أذى حبيب
ومن شرف المجاهد أن تراه … يجل عن المعاقب والمثيب
وما حسب الأديب وإن تناهى … بمستغن عن الأدب الحسيب
برئت من القريض غداة أمضي … أبيع كريمه بيع الجليب
فويحي للقواصف من قواف … كأمثال القواذف باللهيب
رميت بها النيام فراجعتني … مروعة الزمازم تتقي بي
تمر بهم مخيبة وتأتي … لها زفرات مرتمض كئيب
نفضت الواديين فما استفاقوا … وتلك نكيثة الداعي المهيب