أما الزمانُ إلى سلمى فقد جَنَحا – ابن الرومي

أما الزمانُ إلى سلمى فقد جَنَحا … وعاد معتذِراً من كل ما اجْتَرَحا

وليس ذاك بصُنْعي بل بصنع فتى … ما زال يُدني بلطف الصنع ما نزحا

مباركُ الوجه ميمون نقيبتُه … يُوري الزنادَ بكفيه إذا قدحا

به غدوتُ على الأيام مقتدراً … فقد صفحتُ عن الأيام أن صَفحا

رفعت منه رفيع الذكر ممتدَحاً … ألفى أباه رفيع الذكر ممتَدحا

مُعطى ً لسانَ فمٍ معطى لسان يد … إنْ أجملا فصَّلا أو فسَّرا شرَحا

لو أن عبد الحميد اليوم شاهدَه … لطان بين يديه مُذعِناً وسَحا

ضربتُ شِعري عن الكتَّاب قاطبة ً … صفحاً إليه ومثلي نحوَه جَنحا

إياه كانت تراعي همتي وله … كانت تصون أديم الوجه والمِدَحا

أَتْأَرْتُ عيني سوادَ الناس كلِّهمُ … فما رأيتُ سواه فيهم وضَحَا

يَفْدي أبا الصقر إن قاموا بفديته … قومٌ إذا مَذقوا أفعالَهم صَرحا

فرعٌ تفرَّع من شيبانَ شاهقة ً … مَنْ ساورتْها أماني نفسِه نجحا

واهتزّ في نَبْعة صمّاءَ ما عَرفت … سهلاً ولا رَئِمت سيلاً وإن طَفحا

لا تشربَ الماءَ إلا من ذؤابتها … إذا الغمام عليها من علٍ نَضحا

فات المذاكيَّ في بدءٍ وفي عَقِبٍ … سبْقاً إلى الغاية القصوى وما قَرِحا

فتى إذا شئت لا جهْلاً ولا سفهاً … كهلاً إذا شئت لا شيباً ولا جَلَحَا

فَتَّاهُ شرخٌ شبابيٌّ وكهَّله … حِلم إذ شال حلم ناقص رجَحا

في وجهه روضة للحسن مونِقة ٌ … ما راد في مثلها طرفٌ ولا سَرحا

طَلُّ الحياءِ عليها واقع أبداً … كاللؤلؤ الرطب لو رقرقتَه سَفحا

وجهٌ إذا ما بدت للناس سُنَّتُهُ … كانت محاسنُه حَوْلاً لهم سُبَحَا

أنا الزعيم لمكحولٍ بغُرته … ألاَّ يرى بعدها بؤساً ولا ترحا

ممن إذا ما تعاطى نيل مكرمة … نالت يداه مَنال الطرف ما طمحا

لو يخطِب الشمسَ لم ترغب ببهجتها … عن خير من خطب الأزواجَ أو نكحا

مهما أتى الناسُ من طَول ومن كرم … فإنما دخلوا الباب الذي فتحا

لاقى الرجالُ غبوقَ المجد فاغتبقوا … منه ولاقَى صبوحَ المجد فاصطبحا

خِرق به نشوة من أريحيته … هيهات من منْتشيها أن يقال صحا

يعطي المزاحَ ويعطي الجد حقَّهما … فالموتُ إنْ جدَّ والمعروف إن مزحا

ممن إذا كان لاحِي البخلِ يَعذِره … فما يبالي بِلاحي الجود كيف لحى

إن قال لا قالها للآمرين بها … ولم يقلْها لمن يستمنِح المِنحا

يا بُعْد معناه من معنى اللئام إذا … شَحَوْا بلفظة لاأفواهُهم وشَحا

لو لم يزد في بسيط الأرض نائلُه … لضاق منها علينا كلُّ ما انفسحا

أضحت بجدواه أرضُ اللَّه واسعة ً … أضعافَ ما مدَّ منها ربُّها ودَحا

فلاقحاتُ الأماني قد نُتِجْنَ به … وحائلات الأماني قد طوت لَقَحا

لو أن أفعاله الحسنى غدت شِيَة ً … للمجد ما عَدَتِ التَّحْجيل والقُرحا

لا تحمدنَّ بليغاً في مدائحه … أفعالُه فسحت في مدحه الفُسَحا

ولو تجاوزه المُدَّاحُ لم يجدوا … في الأرض عنه ولا في القول مُنتدَحا

بزر جمهر بني العباس رُسْتُمهم … جلمود خَطْبَيْن ما صكُّوا به رَضحا

ماضي الأداتين من سيف ومن قلم … كبش الكتابة كبش الحرب إن نطحا

وافى عُطاردَ والمريخَ مولدُه … فأَعطياه من الحظَّين ما اقترحا

لهُ من البأسِ حدٌّ لو أشار به … إلى الحديد على عِلاّته فلحا

ويُمن رأيٍ ورفقٍ لو مشى بهما … بين الأنيس وبين الجنة اصطلحا

في كفّه قلم ناهيك من قلم … نُبْلاً وناهيك من كف بها اتشحا

يمحو ويثبت أرزاقَ العباد به … فما المقادير إلا ما وحى ومحا

كأنما القلم العُلْويُّ في يده … يُجريه في أيِّ أنحاء الأمور نحا

هذا وإن جمحَت هيجاءُ أَقمحها … نِكْلاً من الشر ما يَكْبَحْ به انكبَحا

يغشَى الوغى فترى قوساً ونابلها … إذ لا تزال ترى قوساً ولا قُزَحَا

ذو رميتين مفدَّاتين واحدة … تُصمي الرمايا وأخرى تُوصل المِنحا

يغلغل النبل في الدرع التي رُتقت … رتقاً فلو صُبَّ فيها الماءُ ما رشحا

ويطعن الطعنة النجلاء يتبعها … شخبٌ دَرير إذا لاقَى الحصى ضَرحا

ويضرب الهام ضرباً لا كِفاءَ له … ترى لما طار منه موقعاً طرَحا

لمثل ذلك في الهيجاء من عمل … أنحى على الأدواتِ القينُ واجْتَنَحا

يصول منه بمن عادَى خليقتَه … وَرْدُ السِّيالِ ترى في لونه صَبَحَا

ليثٌ إذا زأر الليث الهِزَبْر له … لم يحسب الليثَ إلا ثعلباً ضَبحا

عادَى فبادى العدا فيه عداوتَه … ولم يُخافتْ بها نجواه بل صدحا

وقال إذ قعقعوا شَنَّ الوعيد له … لن يرهبَ الليثُ ضأناً قعقعتْ وذحا

يا من إذا ضاقت الأعطانُ في هَنَة … زادت شدائدُها أعطانَه فَيَحا

ليَهْنِ الملكَ أن أصلحتَ فاسده … وأن حرست من الإفساد ما صلحا

رددتَه جعفريَّ الرأي بعد هوى … في الواثقيَّة لو لم تثنه جمحا

بِيَارَشُوخٍ وفتيانٍ لهم قَدَمٌ … فيمن وَفَى لمواليه ومن نصحا

يا رُبَّ رأيٍ صوابٍ قد فتحتَ لهم … لولاك يا فاتح الأبواب ما انفتحا

ولم تزل معهم في يوم وقعتهم … بالحائنين ونابُ الحرب قد كَلحا

حتى أدِلْتُمْ وهبّتْ ريح نصركمُ … وخاب وجه عدو الحق وافتضحا

وما بغيتم ولكن كنتمُ فئة ً … سقيتمُ من بَغى الكأس التي جَدَحا

شهدتُ أن عظيم الترك يومئذٍ … بِيُمْنِكَ افتتح الفتحَ الذي فتحا

ما كان إلا كسهمٍ سدَدته يدٌ … فما تلعثم ذاك السهمُ أن ذبحا

بَصَّرْتَهُ رشْدَه في نصر سادته … بضوء رأيك حتى بان فاتضحا

فليشكروا لك أن كابدتَ دونهمُ … تلك الغمارَ التي تُودي بمن سبحا

نصرتَهُمْ بلسانٍ صادقٍ ويدٍ … قولاً وصَولاً ولقَّيتَ العدا تَرحا

حتى أفأتَ عليهم ظلَّ نعمتهم … عَوداً كما فاء ظل بعدما مَصحا

ببعض حقك أنْ أصبحت عندهُم … مُشاوَرَاً في جسيم الأمر مُنْتَصَحَا

أنت الذي ردَّ بعد اللَّه دولتهم … فليُوفَ كادحُ صدقٍ أجرَ ما كدحا

لولاك ما قام قطب في مُرَكَّبِهِ … أُخرى الليالي ولا دارت عليه رحى

بك استقادتْ مطايا الملك مذعنة ً … وأردف الصعبُ منها بعدما رَمَحا

نفسي فداؤك يا من لا مؤمِّله … أكْدى ولا مستظِلٌّ في ذَراه ضحَّا

لولاك أصبح في بدوٍ وفي حضرٍ … ديوانُ أهلك بين الناس مطَّرَحا

أضحى بك الشعر حيّاً بعد مِيتَتِهِ … إلا حُشاشة َ نفسٍ عُلِّقت شبحا

لا يسلب اللَّه نعمى أنت لابِسُها … فما مشيتَ بها في أرضه مرحا

كم كاشح لك لا تُجدي عداوته … عليه ما عاش إلا الوَرَى والكَشَحا

ممن ينافس في العلياء صاحبَها … ولو تحمَّل أدنى ثِقْلِها دَلحا

تُعْشِي بضوئك عينيه فَيَنْبَحُهُ … لينبَحَ الكلبُ ضوء البدر ما نبحا

لما تبسم عنك المجدُ قلت له … قهقِهْ فلا ثَعَلاً تُبدي ولا قلحا

أجراك مُجرٍ فما أخزيت حلبته … بل وجه أيِّ جوادٍ سابقٍ سبحا

قال الإِمام وقد درَّت حلوبته … بمثلك استغزَر المستغزِر اللَّقحَا

أتاك راجيك لا كفٌّ له مَرِنت … على السؤال ولا وجه له وَقُحا

على قَعودٍ صحيح الظهر تامِكِهِ … ما كَلَّ من طولِ تَرْحالٍ ولا طَلحا

فانظر إليه بعينٍ طالما ضَرَحتْ … عنها قذى خَلَّة المختل فانضرحا

فما يُجلِّي الذي تكنى به قنصاً … كما تُجَلِّي ابنَ حاجات إذا سنحا

بل طرفُ عينيك أذكى حين تَثْقُبُهُ … للمجد من طرف عينيه إذا لمحا

بك افْتَتحْتُ ونفسي جدّ واثقة ٍ … ألا أقول بغبٍّ ساء مفتَتحا

أمطِرْ نداك جنابي يكسُه زهراً … أنت المُحَيَّا بريَّاه إذا نفحا

إن أنت أنهضت حالي بعدما رزَحتْ … فأنت أنهضت ملكاً بعدما رزحا

لا بِدْع أن تُنْهِضَ الرَّزْحَى وتُنْعِشَهُمْ … وان تَحمَّل عنهم كل ما فدحا

كأنني بك قد خوّلتني أملي … وأنت جذلانُ مملوء به فرحا

أثني عليك بنُعماك التي عَظُمت … وقد وجدت بها في القول منفسَحا

أقول فيما أجيب السائلين به … أيَّانَ ذلك والبرهان قد وضحا

لاقيتُ أكرمَ من خبَّ المطيُّ به … ومن مشى فوق ظهر الأرض مذ سطحاص لاقيتُ من لا أبالي بعده أبداً

من ضنَّ عني بمعروفٍ ومن سمحا … ألقيتُ سَجْلَيَ منه إذ مَتَحْتُ به

إلى كريم يُرَوِّي سَجْلَ من مَتَحا … فاضت يداه إلى أن خلتُ سَيْبَتها

بحرين جاشا لحين المدِّ فانتطحا … وجاد جودين أما الكفُّ فانبسطت

بما أنالَ وأما الصدرُ فانشرحا … ورُبَّ معطٍ إذا جادْت أنامله

ضن الضمير بما أعطى وما منحا … عَفَّى كلومَ زماني ثم قلَّمه

عني فاحْفاه ثم اقتصَ ما جرحا … وما تصامم عني إذ هتفتُ به

كالناظرين بصوت الهاتف البَحَحا … يا عائفَ الطيرِ من طلاّب نائله

لا يُثْنِيَنَّك عنه بارحٌ بَرَحا … عِفِ الثَّناء الذي تُثني عليه به

ولا تَعِف باكراتِ الطير والرَّوَحَا … فإن قَصْرك أن تلقى بعَقْوته

بحراً من العُرف لا كَدْراً ولا نزحا … إذا الوَنَى قيَّد الحَسْرى وعقَّلها

كامل تتجمل الحسناءُ كلَّ تجملٍ … حتى إذا ما أُبرز المفتاحُ

فإنها يفكَّ القفل عن كُعْثُبٍ … كرؤية الحسناء مفتاحه

فإنها تُذعن في لحظة … معتزّة ً للنيك مرتاحة ْ

لكن بِدَسْتَنْبُويَة ٍ ضخمة … لقلبها في غمزها راحه

إذا تعاصتْ قينة ٌ مرة ً … فلا تُجشِّمْها بتفاحهْ

نسيتْ هناك حياءها وَخَلاقها … شَبَقاً وعند الماح يُنسى الداح