ألم أتحدّثْ والحديثُ شجونُ – مهيار الديلمي

ألم أتحدّثْ والحديثُ شجونُ … بما كان منكم أنه سيكونُ

وأعلمكم أن الليالي رءوسها … وإن صعبت شيئا فسوف تلينُ

وأزجر طير اليمن فيكم عيافة ً … فتجري لكم بالخير وهي يمينُ

وأعلم أنّ الله في نظم أمركم … كفيلٌ برعي المكرماتِ ضمينُ

بشائرُ صدقٍ لم تخب ولوايحٌ … من الرشدِ لم تكذبِ لهنّ عيونُ

وما الغيبُ طبيّ فيكمُ غيرَ أنني … ظننتُ وظنُّ الألمعيّ يقينُ

وغرَّ الأعادي والجدودُ سوابقٌ … بكم أن هفا من بينهن حرونُ

وأن رفعتْ صيفيّة ٌ حلبيَّة ٌ … تحلُّ حلولَ الطيف ثم تبينُ

فما كلّ جوّ خادعَ العينَ ماطرٌ … وإن نشأت منه سحائبُ جونُ

سمت أعين مغضوضة وتوسَّعتْ … أمانٍ لهم مكذوبة ٌ وظنونُ

ونمَّت قلوبٌ كاتماتٌ بسرّها … وطالعَ داءٌ في الضلوع دفينُ

وحدّث فيها بالفكاكِ ضميره … أسيرُ ببغضاء الكرام رهينُ

خبيثُ المطاوي شرُّه دون خيرهِ … إذا اغتبط الأحرارُ فهو حزينُ

نزى نزوة الأفعى القصير فعاقه … طريق بنيران الرقاة دخينُ

ومرتصد ذو كلبتين بفيهما … إلى نابه وهو السّمامُ حنينُ

تمنَّى تماما فيكمُ وهو ناقصٌ … وطاولكم بالكبر وهو مهينُ

وأطمعه فيكم وقورُ حلومكم … وبشرٌ لكم عند اللقاء ولينُ

ولم يدر أن الزَّند أملس ليِّنا … يمسُّ وجسم النار فيه كمينُ

تطرَّفَ يبغى الصيدَ حول بيوتكم … وشرُّ مكانٍ للقنيص عرينُ

وناطحَ منكم صخرة لا يُزلُّها … من الرأس وحفُ الوفرتين دهينُ

تطامنْ فقد أقصاكَ عن موطن العلا … ولو كنتَ فوقا أن نفسك دونُ

ولا تحسبنَّ الخلف يصلح بيننا … فربَّ يمينٍ بالفسوقِ تمينُ

وقعتْ ذنابي في العلا وأكارعا … فأخفتك فيها أظهر وبطونُ

وما كلُّ حصباءِ البحار جواهرٌ … ولا كلُّ أعضاءِ الجسوم عيونُ

ولا المجدُ إلا دوحة ٌ فارسيّة ٌ … لها من بني عبد الرحيم غصونُ

هم المانعونَ الجارَ ترمحَ ظهره … على الوتر عسراء المراس زبونُ

مزمجرة ٌ تغلى الحقائدُ وسطها … رحاها لحبّات القلوب طحون

إذا سال واديها فلا الطودُ معقلٌ … لناجٍ ولا الحصنُ الأشمُّ حصينُ

فباتَ عزيزا لا يداس ترابهُ … وجارُ رجالٍ آخرين يهونُ

تراه على قرب المدى مقل لنا … بعيدا خفيَّ الشخص وهو يبينُ

بنوا في جوار الشمس بيتا عقابهُ … على المرتقي خشنُ الظهورِ حزونُ

بنوه قطينا بالنجوم مشيّدا … إذا حجرٌ شادَ البيوتَ وطينُ

ميامين بسّامون والجوّ قاطبٌ … مساميحُ والبحر الجوادُ ضنينُ

إذا سئلوا لم ينكتوا بعصيِّهم … ولم يعتقوا بالعذرِ وهو مبينُ

ولا يحسبون البخلَ يخلدِ ربَّه … ولا حينُ نفسٍ بالعطاء يحينُ

نمى المجدُ منهم كلَّ أغلبَ ناهضٍ … له الحزم تربٌ والحسامُ قرينُ

سقى الفخرُ عرقيه وتمَّ فؤاده … علاً باعثٌ من نفسه ومعينُ

إذا جئته مسترضعا درَّ كفه … حلبتَ وما كلُّ الأكفّ لبونُ

كفى بأبي سعدٍ عليهم طليعة ً … تريك كمالَ المرء كيف يكونُ

فتى عذبت أخلاقه فكأنّه … ضعيفٌ وحبلُ العزم منه متينُ

وحمَّل أعباءَ السيادة يافعا … فقام قويٌّ في الخطوب أمينُ

وقى الملكَ من آرائه البيض ما وقتْ … سوادَ العيونِ الرامقات جفونُ

ولما هفتْ أمسِ الحلومُ بربِّها … وشووِرَ مدخولُ الحفاظِ صنينُ

ونيطت قلاداتُ الأمور بغيره … وبين الرجال في التّحدّث بونُ

درى الملك أيُّ الساعدين يمينه … وأيَّ حساميه يفي ويخونُ

وأيُّ الجيادِ السابقاتُ وأيّها … قيامٌ بأكتاد الكلالِ صفونُ

حمى السِّربَ بالجماء يبغى ذيادها … فيالكَ نطحا لو يكون قرونُ

فعاد على الأعقاب يقرقُ كفَّه … له الهمُّ خدنٌ والندامة ُ دينُ

يلمُّ انتشارَ الحبلِ من حيثُ حلَّه … ويجبر من حيث اعترته وهونُ

ويعطى صقالاً ما استطاعَ وحلية ً … ظباً لم تدنَّس فوقهن جفونُ

تزين بعطفيك الحمائلَ والكُسى … وغيرك محبوّاً بهنَّ يشينُ

ويمطيك إعظاما قراً كلِّ سابقٍ … مكانك منه في العلاء مكينُ

منى ً إن تراءتك اللواحظُ فوقه … فأمَّا على الأعداء فهو منونُ

نسجنا لما ألبستَ فهي تمائمٌ … تحوطك من غشِّ الردى وتصونُ

وعطفا على الأمر الذي لك قاده … نزاعٌ إلى أوطانه وحنينُ

فككتَ وقد راجعته عنقه وفي … حبالهمُ شكوى لهم وأنينُ

فداؤك من يشقى بسعدك جدُّه … ويحييك طيبُ الذكر وهو دفينُ

إذا ما رآك اعتاضَ لوناً بلونه … ودير به حتى يقال جنونُ

يساميك لا كسرى أبوه ولا لهال … مدائنُ دارٌ والجبالُ حصونُ

يعُدُّ أباً في الملك أوقصَ لم يطل … له بنجادٍ عاتقٍ ووتينُ

ولا صرَّ أعوادُ السرير به ولا … تغضَّن تحت التاج منه جبينُ

بعثت بآمالي الغرائبِ نحوكم … ومغناكمُ أنسٌ لها وقطينُ

فما لبث الغادي الخميصُ بجوّكم … يطوِّفُ حتى راحَ وهو بطينُ

وكم حملتنا نبتغي المجد عندكم … أو الرفدَ فتلاءُ الذراع أمونُ

بنيَّة ُ عامٍ وابنُ عامين قارحٌ … تشابه نسعٌ فوقه ووضينُ

نواحلُ مُدَّتْ كالحنايا شخوصنا … عليها سهامٌ والظلام طعينُ

إذا ذرعت من نفنفٍ عرضه انبرتْ … نفانفُ لم تُذرع لهن صحونُ

وإن علقت حبل الدجى عاد متنه … بأسحمَ لا تبقى عليه متونُ

تعجُّ بأثقال الرجاء كأنها … عواتمُ في بحر السراب سفينُ

إلى أن حططنا والثرى روضة ٌ بكم … وماءُ الندى للواردين معينُ

بجودكم استعلت يداي وأعذبت … بفيَّ نطافُ المدح وهو أجونُ

لكلّ قبيلٍ من بني المجد شاعرٌ … يزيد علاهم رفعة ً ويزينُ

ومنّى لكم كفٌّ وسيفٌ وجُنة ٌ … وخلٌّ وعبدٌ شاكرٌ وخدينُ

وفى لي هذا الشعرُ فيكم وإنه … خذولٌ لبعض القائلين خئونُ

بقيتُ له وحدي فلى عظمُ شأنه … وللناس فيما يخبطون شئونُ

وكم غرت من قوم ولي في بيوتكم … غرائبُ أبكارٌ تزفُّ وعونُ

تهشُّ لها الأسماعُ شوقا كأنها … وإن بعدت منها اللُّحونُ لحونُ

على أنها ملذوعة ٌ بجفائكم … عطاشٌ أواناً والسحابُ هتونُ

وغضبى بأن تلوى لديكم وتقتضى … حقوقٌ لها ممطولة ٌ وديونُ

وكم ثوبِ عزّ أغفل القسمث حظَّه … وقد غضَّ منه والتغافلُ هونُ

ووعدٍ ولم ينجزه أمسِ لعلّه … من اليوم أن يلقى النجاح قمينُ

صبرتُ لعام الجدب والظُّلمُ كلُّه … مع الخصب أن أضوى وأنت سمينُ

ولا بدّ من قسمي إذا نعمة ٌ طرت … ومن أثرٍ فيها عليّ يبينُ

ومن لبسة ٍ تشجا صدورٌ بغيظها … عليّ وترنو للجمال عيونُ

فلا تجعلوها عن كريم استماعكم … بمزلقة ٍ إن الكريم أذينُ

أناقشكم قولا وسرِّي سامحٌ … وشرِّي وإن حاف اللسان أمينُ

وأنفخُ بالشكوى وقلبي شاكر … وكم حركاتٍ تحتهنّ سكونُ

شريتكمُ بالناس مغتبطا بما … ملكتُ إذا عضَّ البنان غبينُ

وملَّكتكم نفسي فربُّوا جوارها … وغالوا بها إن العزيزَ ثمينُ

فليت صريحَ الودّ بيني وبينكم … فداه دخيلٌ في الوداد هجينُ

وليتَ الليالي بعد أن قد ولدنكم … عقمنَ فلم تُنجب لهنّ بطونُ