ألغرس غرسك أيها البستاني – جبران خليل جبران

ألغرس غرسك أيها البستاني … فانظر الى الثمرات والغصان

أي الرياض كروضة انشاتها … فيها قطوف للنهى ومجاني

علم وأخلاق وحسن شمائل … من كل فاكهة بها زوجان

نبتت نباتا صالحا وتنوعت … زيناتها من حكمة وبيان

يا خير من ربى فأتحف قومه … بنوابغ الآداب والعرفان

أحسنت في آن إلى هذا الحمى … وإلى سواه نهاية الإحسان

الحكمة الزهراء شادت معهدا … ما زلت فيه أثبت الأركان

ومن الألى مروا بظلك أخرجت … نخبا يشار إليهم ببنان

فتيانها في العالم العربي هم … فخر الشباب وزينة الفتيان

البطركية في زمانك نافست … من عهدها المشهور خير زمان

وبنوك فيها ذاكروا أستاذهم … بالخير في الإسرار والإعلان

ما أجمل الثر الذي خلفته … فيها وابقاه على الحدثان

حسبي فخارا أنها بإنابتي … عنها تؤدي شكرها بلساني

للغرب في هذي الديار مدارس … فازت بحظ من جناك الداني

فرددت في طلابها ملكاتهم … عربية خلصت من الأدران

آلاف شبان أفادوا بالذي … لقنت آلافا من الشبان

وببعض ما اسديت عز مقامهم … فيما نأى ودنا من البلدان

من سفح لبنان تعالى وصتهم … وصداه فيما ردد الهرمان

في عود دود الذي خلب النهى … ما فيه من ذاك الصدى الرنان

ما زلت من خمسين عاما بانيا … للضاد ما لم يبن قبلك باني

فإذا نظمت فأنت أول شاعر … وإذا نثرت فأين منك الثاني

صغت القريض ومن يصوغ فريده … إلاك صوغ قلائد العقبان

لفظ إلى حسن البداوة جامع … ما للحضارة من جديد معاني

مترقوق المجرى ترقرق جدول … تماسك الأجزاء كلابنيان

نثر من الجزل الذي أسلوبه … يلج النفوس بغير ما استئذان

ويذود من جاراك عن غاياته … ببلوغه الغايات في الإتقان

لللعلم لحمته وللفن السدي … فاظنن بوشي فيه يلتقيان

فيه الرصانة والمتانة تزدهي … بهما الحلى وبهن تزدهيان

أما اللسان فانت في النفر الأولى … نصروه حتى بز كل لسان

فإذا العلى عدت فوارس شوطه … عدتك فيه أول الفرسان

لله معجمك الذي اخرجته … مستكمل التفصيل والتبيان

يصطاد أغلى الدر من قاموسه … ومنالثه من أقرب الشطآن

قيدت فيه أوابد الفصحى بما … فات الأولى سبقوا من الأقران

ونهجت للطلاب نهجا واضحا … يدني أقاصيها إلى الأذهان

حياك ربك من إمام عجز … في عبقريته ومن إنسان

متبتل للعلم مشغول به … عن رشف كاسات وعشق غوان

سمح المحيا والضمير سراره … كجهاره مما ترى العينان

فكه الحديث وإن أقل مكانه … متفقد في مجلس الإخوان

لم يلتمس في العيش إلا غاية … ترضي الإباء وطاهر الوجدان

وسما به خلق عيوف قانع … عن كل موقف ذلة وهوان

يا أيها العلامة العلم الذي … يدري مكانته بنو عدنان

هذي وفودهم إليك توافدت … تلقاك من متعدد الوطان

تهدي تهانئها وفضلك عندها … مالا يوفى حقه بتهاني

حمل التحية شيخها وتضاعفت … بركاته بتحية المطران