ألشرق طال سباته الروحاني – جبران خليل جبران
ألشرق طال سباته الروحاني … هل أيقظته صيحة الريحاني
وعلام أجمع أمرهم من واجب … تدعو غليه سلامة الوطان
ما من أمان في الحياة وأين من … يقضي الحياة جميعها بأمان
فطن الحكيم لما الحوادث خبأت … فنضا حجاب الغيب قبل أوان
واليوم صدقت الكوارث قوله … كيف الشعوب طليقها والعانئ
وعزيزها بسلاحه وكفاحة … وذليلها بالحق والبرهان
قد مالأ العلم الغزيزة فهي لم … تترك لغير السيف من سلطان
ردت إليه الرأي في عمران ما … يهوى وفي التقويض من عمران
فتطيرتت من حكمها ألبابنا … وتحيرت في حكمة الرحمن
يا من لقيت الله ما في علمه … من غاية لتحول الإنسان
جزع المحابر والمنابر أنها … قد بدلت نم عزها بهوان
كنت أداة السلم دهرا والهدى … فإدت أداة السلب والعدوان
هرع الزمان بنا فما من مهلة … للوادع الراضي ولا للواني
وسطا جديد نظامه بقديمه … ورمى الجمود بصاعق النيران
فهو المصدع بعد طول رسوخه … وهو المروع بعد طول أمان
لا ينقض الباني يدا إلا وقد … نقض البناء وقال رأي الباني
وبأي خسف عوقب القوم الأولى … عاقوا شموسهم عن الدوران
غلت الحياة فإن ترجها حرة … كن من أباة الضيم والشجعان
واقحم وزاخم واتخذلك حيزا … تحميه يوم كريهة وطعان
لا حق إلا أن تنافح دونه … إن القناة عصا بغير سنان
يا من نودعه وكل مودع … دامي الفؤاد مقرح الجفان
أعظم بخطبك في البلاد وإنما … عظم المصاب يقاص بالحرمان
كم في حياتك من مثال واعظ … للناس من شيب ومن شبان
شتى مزاياك التي أبرزتها … برعاية المتعهد اليقظان
وعزيمة قرنت بصبر لم تدع … لك في مجال السبق من اقران
جابت بك الافاق تستوقي بها … ما شئت من أدب ومن عرفان
فالأرض روض والجنى متنوع … وحجاك مشتر وفكرك جان
أودعت في الكتب التي صنفتها … أزكى ثمار العلم للأذهان
ونثرت بين كتابة وخطابة … ما لا يجود بدره البحران
أخبارهم آدابهم أخلاقهم … صورتها في اصدق الألوان
فلصنعك المشكور أكرم موقع … من كل قلب في بني عدنان
جهلت مفاخرهم وراء مكانها … واليوم قد عرفت بكل مكان
إن المعري الذي ترجمته … فرفعت بين اللسن خير لسان
وابنت للأقوام ما بالضاد من … حكم جلتها في بديع بيان
ليبارك الزمن الذي رجحته … فضلا على متقادم الزمان
لا بدع أن بلغت ما بلغته … شرقا وغربا من عزيز الشان
سبحان من وهب النبوغ مميزا … بعلاه بلدانا على بلدان
لبنان بين جباله ورجاله … طالت ذراه أوج كل عنان
لو تجتلي عين معاني مجده … طالت ذراه أوج كل عنان
لو تجتلي عين معاني مجده … لرأي رعانا توجت برعان
يا ابن الفريكة نم مناك ناجيا … فيه من الحسرات والحزان
تحنو عليك صلادة بظلالها … وتقر في واد من التحنان
إن المصير الى الثرى وإخاله … أندى وأرفه في ثرى لبنان