ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي – امرؤ القيس

ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي … وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي

وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ … قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ

وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه … ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ

دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ … ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ

وتحسبُ سلمى لا تزالُ ترى طَلا … من الوَحشِ أوْ بَيضاً بمَيثاءِ مِحْلالِ

وتحسِبُ سلمى لا نزالُ كعهدنا … بوَادي الخُزَامى أوْ على رَسّ أوْعالِ

لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنْصَّباً … وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال

ألا زعمت بسبابة ُ اليوم أنني … كبرت وأن لا يحسنُ اللهو أمثالي

كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ … وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي

وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَة ٍ … بِآنِسَة ٍ كَأنّهَا خَطُّ تِمْثَالِ

يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِها … كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ

كأنَّ على لباتها جمرَ مُصطل … أصاب غضى جزلاً وكفِّ بأجذال

وَهَبّتْ لهُ رِيحٌ بمُخْتَلَفِ الصُّوَا … صباً وشمال في منازلِ قفّال

ومِثْلِكِ بَيضاءِ العوارِضِ طَفْلة ٍ … لعوبٍ تُنَسِّيني، إذا قُمتُ، سِربالي

إذا ما الضجيعُ ابتزها من ثيابها … تَمِيلُ عَلَيهِ هُونَة ً غَيرَ مِجْبالِ

كحِقْفِ النَّقَا يَمشِي الوَليدَانِ فوْقَه … بما احتسبا من لين مس وتسهال

لَطِيفَة ُ طَيّ الكَشْح غيرُ مُفَاضَة ٍ … إذَا انْفَتَلَتْ مُرْتجّة ً غَيرَ مِثقالِ

تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها … بيَثْرِبَ أدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ

نَظَرتُ إِلَيها وَالنُجومُ كَأَنَّها … مَصابيحُ رُهبانٍ تَشُبُّ لِقَفّالِ

سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها … سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ

فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي … أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي

فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً … وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي

حَلَفتُ لَها بِاللَهِ حِلفَةَ فاجِرٍ … لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صالِ

فَلَمّا تَنازَعنا الحَديثَ وَأَسمَحَت … هَصَرتُ بِغُصنٍ ذي شَماريخَ مَيّالِ

وَصِرنا إِلى الحُسنى وَرَقَّ كَلامُنا … وَرُضتُ فَذَلَّت صَعبَةٌ أَيَّ إِذلالِ

فَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَأَصبَحَ بَعلُها … عَلَيهِ القَتامُ سَيِّئَ الظَنِّ وَالبالِ

يَغُطُّ غَطيطَ البَكرِ شُدَّ خِناقُهُ … لِيَقتُلَني وَالمَرءُ لَيسَ بِقَتّالِ

أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي … وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ

وَلَيسَ بِذي رُمحٍ فَيَطعَنُني بِهِ … وَلَيسَ بِذي سَيفٍ وَلَيسَ بِنَبّالِ

أَيَقتُلَني وَقَد شَغَفتُ فُؤادَها … كَما شَغَفَ المَهنوءَةَ الرَجُلُ الطالي

وَقَد عَلِمَت سَلمى وَإِن كانَ بَعلُها … بِأَنَّ الفَتى يَهذي وَلَيسَ بِفَعّالِ

وَماذا عَلَيهِ إِن ذَكَرتُ أَوانِساً … كَغِزلانِ رَملٍ في مَحاريبِ أَقيالِ

وَبَيتِ عَذارى يَومَ دَجنٍ وَلَجتُهُ … يَطُفنَ بِجَبّاءِ المَرافِقِ مِكسالِ

سِباطُ البَنانِ وَالعَرانينِ وَالقَنا … لِطافَ الخُصورِ في تَمامٍ وَإِكمالِ

نَواعِمُ يُتبِعنَ الهَوى سُبُلَ الرَدى … يَقُلنَ لِأَهلِ الحِلمِ ضُلَّ بِتِضلالِ

صَرَفتُ الهَوى عَنهُنَّ مِن خَشيَةِ الرَدى … وَلَستُ بِمُقليِّ الخِلالِ وَلا قالِ

كَأَنِّيَ لَم أَركَب جَواداً لِلَذَّةٍ … وَلَم أَتَبَطَّن كاعِباً ذاتَ خِلخالِ

وَلَم أَسبَإِ الزِقَّ الرَويَّ وَلَم أَقُل … لِخَيلِيَ كُرّي كَرَّةً بَعدَ إِجفالِ

وَلَم أَشهَدِ الخَيلَ المُغيرَةَ بِالضُحى … عَلى هَيكَلٍ عَبلِ الجُزارَةِ جَوّالِ

سَليمَ الشَظى عَبلَ الشَوى شَنَجَ النَسا … لَهُ حَجَباتٌ مُشرِفاتٌ عَلى الفالِ

وَصُمٌّ صِلابٌ ما يَقينَ مِنَ الوَجى … كَأَنَّ مَكانَ الرِدفِ مِنهُ عَلى رَألِ

وَقَد أَغتَدي وَالطَيرُ في وُكُناتِها … لِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ رائِدُهُ خالِ

تَحاماهُ أَطرافُ الرِماحِ تَحامِياً … وَجادَ عَلَيهِ كُلُّ أَسحَمَ هَطّالِ

بِعَجلَزَةٍ قَد أَترَزَ الجَريُ لَحمَها … كَميتٍ كَأَنَّها هِراوَةُ مِنوالِ

ذَعَرتُ بِها سِرباً نَقِيّاً جُلودُهُ … وَأَكرُعُهُ وَشيُ البُرودِ مِنَ الخالِ

كَأَنَّ الصُوارَ إِذ تَجَهَّدَ عَدوُهُ … عَلى جَمَزى خَيلٍ تَجولُ بِأَجلالِ

فَجالَ الصُوارُ وَاِتَّقَينَ بِقَرهَبٍ … طَويلِ الفِرا وَالرَوقِ أَخنَسَ ذَيّالِ

فَعادى عِداءً بَينَ ثَورٍ وَنَعجَةٍ … وَكانَ عِداءُ الوَحشِ مِنّي عَلى بالِ

كَأَنّي بِفَتخاءِ الجَناحَينِ لَقوَةٍ … صَيودٍ مِنَ العِقبانِ طَأطَأتُ شِملالي

تَخَطَّفُ خَزّانَ الشُرَيَّةِ بِالضُحى … وَقَد حَجَرَت مِنها ثَعالِبُ أَورالِ

كَأَنَّ قُلوبَ الطَيرِ رَطباً وَيابِساً … لَدى وَكرِها العُنّابُ وَالحَشَفُ البالي

فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ … كَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ

وَلَكِنَّما أَسعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ … وَقَد يُدرِكُ المَجدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي

وَما المَرءُ ما دامَت حُشاشَةُ نَفسِهِ … بِمُدرِكِ أَطرافِ الخُطوبِ وَلا آلي