أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ – ابن الرومي
أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ … وهن بأقران الهَوى ظَفِراتُ
ضَعُفنَ وكان الضعفُ منهن قوة ً … فهنَّ على الألباب مقتدراتُ
ومُنتقباتٌ بالضياءِ وضاءة ً … كما هن بالظَّلماء مُعتجراتُ
خُلقن من الأضداد فاسودَّت الذُّرا … سوادَ الدجى وابيضَّت البَشَراتُ
ومِسْنَ وكثبانُ المآزر رُجَّحٌ … وقضبانُ ما وُشِّحن مُضْطمِراتُ
بَكَرْنَ على باكورتي فابتكرنَها … وهن لها إذ ذاك مُبتكِراتُ
كِلانا اجتنى ما يشتهي من خليله … فأغصانُ ما نهواهُ مُنهصراتُ
ذَكَرتُ الصبا وهناً فلا الوجْدُ مُقْلِعٌ … لشيء ولا الأحشاءُ مُصطبراتُ
غليلٌ أَبى أن يُطَفيء الدمعُ نارَهُ … ويُضرمهُ أن تَعصِب الزفراتُ
ألا إنما الدنيا الشبابُ وإنما … سرور الفتى هاتيكمُ السَّكراتُ
ولا خيرَ في الدنيا إذا ما رعيتُها … وقد أيبستْ أجنابُها الخَضِراتُ
نُراعُ إذا لاحت نجومُ مشيبنا … كأن نجوم الليل مُنكدراتُ
وتنفطرُ الأكبادُ عند شُمولهِ … كأنّ الطِّباق السبع منفطِراتُ
سيُنسيكَ أيامَ الشباب وبردَها … فتى ً ماجدٌ أيامُه سَبِراتُ
مُواصِلة ٌ آصالُها غُدواتها … من اللاءِ لم تُخْلق لها جمراتُ
ولم تُسلِكَ الأيامُ عن زَهَرَاتها … بمثل فتى ً أخلاقه زَهراتُ
كمثل أبي العباس إن كان مثلُهُ … وهل مثلُه دامت له الخيراتُ
أخو السَّرو من آل الفرات وكلُّهُمْ … سَراة ٌ ولكن للسَّراة ِ سَراة ُ
يدُ الله يا آل الفرات عليكُم … وأيديكُمُ بالعُرفِ منهمراتُ
تَحلّ أياديكم بحقٍ وإنها … لديكم بلا حق لمُحتقَراتُ
أيادٍ بوادٍ لا تُفيق وشاية ً … بأيدِ انتهاءٍ وهي مُستتَراتُ
قِرى ً لكُم تُخْفونه وهو ظاهرٌ … سجاياكُمُ قِدْماً به يَسراتُ
وكيف بأن يخفَى قِراكم وإنما … بلادُ بني الدنيا لكم حَجَراتُ
أزَرتُمْ قراكم كلّ قومٍ فجاءهم … هنيئاً ولم تُقطع له القَفراتُ
جريتُم مع السُّبَّاق في كل حلبة ٍ … فجئتم ولم تُرْهِقْكُمُ الفَتراتُ
رَجَحْتُم على أَكفائكُم إذا وُزِنتُم … وهل يستوي الآلافُ والعَشَراتُ
لنا أثَرَاتٌ دونكم بثرائكم … ولكن لكم بالسؤُدد الأَثَراتُ
حلمتم وفيكم مَنعة ٌ فأكفُّكُمْ … قوادر لا يعجزنَ مُغتفِراتُ
أَكفٌّ عن الهافينَ طراً صوافحٌ … وهن من الباغين مُنتصراتُ
كأنكُمُ لينا وحدَّا مَناصلٌ … لها الصفحاتُ المُلس الشَّفراتُ
إذا افتخرَ السادات يوماً سكتُّمُ … ولم تَسكُتِ الأحلامُ والأَمراتُ
وما فَخْرُ قومٍ والمَفاخرُ كلُّها … بهم عند ذكر الفخر مُفتخِراتُ
لهم شِيمٌ إنْ لم تكن أزلية ً … فإن بحارَ الأرض مُحتفَراتُ
مفجَّرة ٌ قبل السؤال وبعدَهُ … صوافي جِمام الماء لا كَدِراتُ
تكلَّمُ عنكم ما تبين صنائعٌ … سُترن وهُنَّ الدهرَ مُشتهراتُ
ومنكم أبو العباس ذاك الذي لهُ … تقاصَرُ في أبدانها القَصَراتُ
فتى ً لا قضاياه علينا بوادرٌ … ولا الجود منه باللُّهى خَطَراتُ
ولكن قضاياه سدادٌ وَجُودُهُ … ينابيعٌ بالمعروف مُنفجراتُ
هو المرءُ يسعى والمساعي ثقيلة ٌ … ويسبِقُ والأنفاسُ مُنبهراتُ
له ضحكاتٌ حين يُسألُ حاجة ً … إذا كثُرت من غيرِهِ الضَّجراتُ
يقول ويُولي منّة ً بعد مِنّة … فيُطنبُ والأقوالُ مُختصراتُ
فلو أنزلتْ بعد النبيِّينَ سورة ٌ … إذاً أنزلت في مدحهِ سُوراتُ
جرى وجرتْ أقلامُهُ خيلَ حَلْبة ٍ … وأقلامُ قومٍ عنده حُمُراتُ
نصيحاً إذا غشَّ الولاة ُ كُفاتَهُمْ … وفيَّا إذا ما خِيفتِ الغَدَراتُ
أَميناً على مال الملوك وفيئهِم … وسوقِهمُ ليست له خثراتُ
ضليعاً إذا ما اسْتُحْملَ الخطبَ ناهضاً … بأعبائه ليست له عثراتُ
يُرَوِّي فَتُسْتَلُّ السيوفُ ولم تزلْ … له هَدآتٌ في غِبِّها نَفَراتُ
وكم هَدآتٍ للأرِيبِ أَريبة ٍ … يخالُ الأعادي أنها فَتَراتُ
أخُو الفِكَر اللاَّئي إذا فَكُرَ الوَرَى … تَنَاسَتْ هُدَاها فهي مدَّكِرَاتُ
لقد خِيرَ فيه للوزير ولم يزلْ … أبو الصقر مختاراً له الخِيَرَاتُ
به تَتَعَرَّى المرْهَفَاتُ وتارة ً … تَسَتَّرُ والأغمادُ منحَسِرَاتُ
أمنْتُ ولو غاض الفراتُ من الصَّدَى … لأنك لي يا ابن الفرات فُراتُ
ترى الدَّهْرَ مُرْتاعاً إذا ما تَتَابَعَتْ … إلى صَرْفِهِ من أحمدٍ نظراتُ
مُحَاذَرة ً ممن إذا ما تحرَّرتْ … عوارفُهُ زالتْ بها النَكِراتُ
أساءتْ ليَ الأيامُ يا ابن مُحَرَّرٍ … وهُنَّ إليَّ الآنَ مُعْتَذِراتُ
رأَيت مطافي حول حقْوَيْكَ عائذاً … فهنَّ لمن أبصرته حَذِراتُ
وأَوْعَدتُهَا تَنْكِيرَكَ النُّكْرَ صادقاً … فقلت رُوَيْداً تَنْجَلي الغمراتُ
إلى الله أشكُو سوءَ رَأْي مُؤَمَّلٍ … معارفُ شِعْرِي عنْده نَكِرَاتُ
وقدْ كنتُ منْ حرمانه في بَليَّة ٍ … فقد أرْدفَتْ حرمانَهُ الحَسَراتُ
توَالتْ على العافينَ آلاءُ عُرْفِهِ … وأخْفَقْتُ والآمالُ مُنْتظِرَاتُ
فأَنَّى أَثاب الثِّيباتِ ولم يُثبْ … عَذارى ولم تُفْضَضْ لها عُذُراتُ
أعِذْ كلماتي فيه من قول قائل … أرى شَجَراتٍ ما لها ثَمراتُ
أمُنْطَوِيَاتٌ دون كفِّي صِلاتُهُ … وأسرابُ مدْحي فيه منتشراتُ
أرى الشعر يُحْيي المجد والبأْس والندى … تُبَقِّيهِ أرواحٌ لها عَطراتُ
وما المجد لولا الشِّعْرُ إلاَّ مَعاهدٌ … وما النَّاسُ إلا أعْظُمٌ نَخِراتُ
وقد صُغْتُ ما التيجانُ أشباهُ بعضِهِ … وقد حِكْتُ ما أشْبَاهُهُ الحَبِرَاتُ