أقَمْنَا وَرَبّتْنَا الدّيَارُ، وَلا أرَى – جرير

أقَمْنَا وَرَبّتْنَا الدّيَارُ، وَلا أرَى … كَمَرْبَعِنَا بَينَ الحَنِيَّينِ مَرْبَعَا

ألاَ حبَّ بالوادي الذي ربما نرى … به مِنْ جَميعِ الحَيّ مَرْأًى وَمَسمَعَا

ألا لا تَلُومَا القَلْبِ أنْ يَتَخَشّعَا، … فقدْ هاجتِ الأحزانُ قلباً مفزعاً

وَجودَا لهِنْدٍ بِالكَرَامَة ِ مِنْكُمَا، … وَمَا شِئْتُمَا أنْ تَمْنَعَا بَعدُ فامنَعَا

وَمَا حَفَلَتْ هِنْدٌ تَعَرُّضَ حاجَتي … وَلا نَوْمَ عَيْنيّ الغِشاشَ المُرَوَّعَا

بِعَيْني مِنْ جَارٍ عَلى غُرْبَة ِ النّوَى … أرَادَ بِسُلْمَانِينَ بَيْناً فَوَدّعَا

لَعلّكَ في شَكٍّ مِنَ البَينِ بَعدَمَا … رأيتَ الحمامَ الورقَ في الدارِ وقعا

كأنّ غَماماً في الخُدورِ التي غَدَتْ … دنا ثمَّ هزتهُ الصبا فترفعا

فليتَ ركابَ الحيَّ يومَ تحملوا … بحَوْمَانَة ِ الدَّرّاجِ أصْبَحْنَ ظُلَّعَا

بني مالكٍ إنَّ الفرزدقَ لمْ يزل … فَلُوَّ المِخازِي من لَدُنْ أنْ تَيَفَّعَا

رميتُ ابنِ ذي الكيرين حتى تركتهُ … قَعُودَ القَوَافي ذا عُلُوبٍ مُوَقَّعا

وفقأتُ عيني غالبٍ عندَ كيرهِ … وَأقلَعتُ عن أنفِ الفَرَزْدَقِ أجْدَعَا

مددتُ لهُ الغاياتِ حتى نخستهُ … جَرِيحَ الذُّنَابَى فانيَ السّنّ مُقْطَعَا

ضَغَا قِرْدُكمْ لمّا اختَطَفتُ فؤادَهُ، … وَلابنِ وَثِيلٍ كانَ خَدُّكَ أضْرَعَا

وَمَا غَرّ أوْلادُ القُيُونِ مُجاشِعاً … بذي صولة ٍ يحمى العرينَ الممنعا

وَيَا لَيتَ شِعرِي ما تَقُولُ مُجاشِعٌ … و لمْ تتركْ كفاكَ في الفوسِ منزعا

وَأيّة ُ أحْلامٍ رَدَدْنَ مُجاشِعاً، … يعلونَ ذيفاناً منَ السمَّ منقعا

ألا رُبّمَا بَاتَ الفَرَزْدَقُ قَائِماً … على َ حرَّ نارٍ تتركُ الوجهَ أسفعا

و كانَ المخازي طالما نزلتْ بهِ … فيصبحُ منها قاصرَ الطرفِ أخضعا

و إنَّ ذيادَ الليلِ لا تستطيعهُ … و لا الصبحُ حتى يستنيرَ فيسطعا

تَرَكْتُ لكَ القَيْنَينِ قِيْنيْ مُجاشعٍ … وَلا يأخُذانِ النّصْفَ شَتى وَلا مَعَا

و قدْ وجداني حينَ مدتْ حبالنا … أشَدَّ مُحاماة ً، وَأبْعَدَ مَنْزَعَا

و إني أخو الحربِ التي يصطلى بها … إذا حَمَلَتْهُ فَوْقَ حالٍ تَشَنَّعَا

و أدركتُ منْ قد كانَ قبلي ولمْ أدعْ … لمنْ كانَ بعدي في القصائدِ مصنعا

تفجعَ بسطامٌ وخبرهُ الصدى … وَمَا يَمْنَعُ الأصْداءَ ألاّ تَفَجَّعَا

سيتركُ زيقٌٌ صهر آلِ مجاشعٍ … وَيَمْنَعُ زِيقٌ مَا أرَادَ لِيَمْنَعَا

أتَعْدِلُ مَسْعُوداً وَقَيْساً وَخَالِداً … بأقيانِ ليلى لا ترى لكَ مقنعا

و لما غررتمْ منْ أناسٍ كريمة ٍ … لؤمتمْ وضقتمْ بالكرائمِ أذرعا

فلوْ لمْ تلاقوا قومَ حدراءَ قومها … لو سدها كيرُ القيونِ المرقعا

رأى القينُ أختانَ الشناءة ِ قد جنوا … منَ الحربِ جرباءَ المساعرِ سلفعا

وَإنّكَ لَوْ رَاجَعْتَ شَيبانَ بَعْدَهَا … لأبتَ بمصاومِ الخياشمِ أجدعا

إذا فوزتْ عنْ نهرَ بينَ تقادفت … بحدراءَ دارٌ لا تريدُ لتجمعا

و اضحتْ ركابُ القينِ منْ خيبة ِ السرى … و نقلِ حديد القينِ حسرى وظلعا

وَحَدْرَاءُ لَوْ لمْ يُنْجِها الله بُرّزَتْ … إلى شَرّ ذي حَرْثٍ دَمَالاً وَمَزْرَعَا

و قدْ كانَ نجساً طهرتْ منْ جماعهِ … و آبَ إلى شرَّ المضاجعِ مضجعا

حُمَيْدَة ُ كانَتْ للفَرَزُدَقِ جارَة ً … يُنَادِمُ حَوْطاً عِنْدَهَا وَالمُقَطَّعَا

سأذكرُ ما لمْ تذكروا عندَ منقرٍ … وَأثْني بِعَارٍ مِنْ حُمَيدَة َ أشْنَعَا

دَعاكُمْ حَوَاريُّ الرّسُولِ فكُنْتُمُ … عَضَارِيطَ يا خُشبَ الخِلافِ المُصرَّعَا

أغَرّكَ جَارٌ ضَلّ قَائِمُ سَيْفِهِ، … فلا رجعَ الكفينِ إلاَّ مكنعا

و آبَ ابنُ ذيالٍ جميعاً وأنتمُ … تعدونَ غنماً رحلهُ المتمزعا

فلا تدعُ جاراً منْ عقالٍ ترى لهُ … ضواغطَ يلثقنَ الازارَ وأضرعا

فَلا قَيْن شَرٌّ مِنْ أبي القَينِ مَنزِلاً … وَلا لُؤمَ إلاّ دونَ لؤمِكِ، صَعصَعَا

تعدونَ عقرْ النيب أفضلَ سعيكمْ … بنى ضوطري هلاَّ الكميَّ المقنعا

وَتَبكي على ما فاتَ قَبْلَكَ دارِماً، … وَإنْ تَبكِ لا تَترُكْ بعَينِكَ مَدمَعَا

لعَمْرُكَ ما كانَتْ حُمَاة ُ مُجاشعٍ … كراماً ولا حكامُ ضبة َ مقنعا

أتَعْدِلُ يَرْبوعاً خَنَاثَى مُجاشِعٍ … إذا هُزّ بِالأيْدي القَنَا، فَتَزَعْزَعَا

وَجَدتَ ليَرْبوعٍ، إذا ما عجَمتَهُم، … مَنَابِتَ نَبْعٍ لمْ يُخالِطْنَ خِرْوَعَا

هُمُ القَوْمُ لَوْ باتَ الزّبَيرُ إلَيْهمُ … لما باتَ مفلولاً ولاَ متطلعا

وَقَدْ عَلِمَ الأقْوَامُ أنّ سُيوفَنَا … عَجَمنَ حديدَ البَيضِ حتى تصَدّعَا

ألا رُبّ جَبّارٍ عَلَيْهِ مَهَابَة ٌ، … سقيناهُ كأسَ الموتِ حتى تضلعا

نقودُ جياداً لمْ تقدها مجاشعٌ … تكُونُ مِنَ الأعْداء مَرْأًى ومَسمعَا

تَدارِكْنَ بِسطاماً فأُنْزِلَ في الوَغَى … عِنَاقاً وَمَالَ السّرْجُ حتى تَقَعْقَعَا

دَعا هانىء ٌ بَكْراً وَقَد عَضّ هانِئاً … عرى الكبلِ فينا الصيفَ والمتربعا

وَنَحنُ خَضَبْنَا لابنِ كَبْشَة َ تاجَهُ … وَلاقَى امْرَأً في ضَمّة ِ الخيلِ مصْقَعَا

و قابوسَ أعضضنا الحديدَ ابنَ منذرٍ … و حسانَ إذْ لا يدفعُ الدلَّ مدفعا

و قدْ جعلتْ يوماً بطخفة َ خيلنا … مَجَرّاً لذي التّاجِ الهُمامَ وَمَصرَعَا

و قدْ جربَ الهرماسُ أنَّ سيوفنا … عضضنَ برأسِ الكبشِ حتى َّ تصدعا

و نحنُ تداركنا بحيراً وقدْ حوى … نهابَ العنابينِ الخميسُ ليربعا

فعاينَ بالمروتِ أمنعَ معشرٍ … صَرِيخَ رِياحٍ، وَاللّوَاءَ المُزَعْزَعَا

فوارسَ لا يدعونَ يالَ مجاشعٍ … إذا كانَ يَوْماً ذا كوَاكبَ أشْنَعَا

و منا الذي أبلى صدى َّ بنَ مالكٍ … و نفرَ طيراً عنْ جعادة َ وقعا

فَدَعْ عَنْكَ لَوْماً في جُعادَة َ، إنّمَا … وصلناهُ إذْ لاقى َ ابنَ بيبة َ أقطعا

ضربنا عميدَ الصمتينِ فأعولتْ … دعائمَ عرشِ الحيَّ أنْ يتضعضعا

وَلَوْ شَهِدَتْ يَوْمَ الوَقيطَينِ خَيلُنا … لما قاظتِ الأسرى القطاطَ ولعلعا

ربعنا وأردفنا الملوكَ فظللوا … وِطَابَ الأحَاليبِ الثُّمَامَ المُنَزَّعَا

فتلكَ مساعٍ لم تنلها شجاشعٌ … سبقتَ فلا تجزعْ منَ الموتِ مجزعا