أغنيات – أدونيس

( 5 )

سَكَنَتْ وجهها

سَكَنَتْ في نخيل من الصّمتِ بين رؤاها وأجفانها…

بيتُها شارِد

في قطيع الرّياحِ، وأيّامُها

سَعَف يابِس،

ورمال.

مَنْ يَقولُ لِزيْنَبَ: عينايَ ماء

ووجهيَ بيت، لأحزانِها

( 7 )

ألمحُ الآنَ أحزانَها

كالفراشاتِ، تضربُ قِنديلَها

حُرّةً، ذاهِلَهْ

وأراهَا تُمزّق مِنديلَها…

ألمحُ الآنَ أمّي:

وَجْهُها حُفْرة، ويدَاها

وردة ذابِلَهْ.

( 12 )

كان هذا مَمَرّاً إلى بيتها، كثيرًا

خبّأتْنا شجيراتُه، ورسمنا

في تقاطِيعِه خُطانا،

وهنا كان مروان يجمع أصحابَهُ…

مات ميثاقهم وماتوا

وامَّحت هذه العتَباتُ.

( 13 )

أخذوهُ إلى حفرة، حرقوهُ

لم يكن قاتلاً، كان طِفْلاً

لم يكن… كان صوتًا

يَتموّجُ، يعلو مع النّار، يَرْقى على دَرَجات الفضاءْ

وهُوَ، الآنَ، شَبّابَة

في الهواءْ.

( 14 )

ليس منديلُها لِيُلَثِّمَ وجهًا

أو يردَّ الغبارَ، وليس لكي يمسحَ الدّمعَ، منديلُها

طَبقُ الخبز والجبن والبيضِ، وهو لِحاف

لِرشّاشِها،

كان منديلُها رايةً…

( 15 )

تَرَكَ القافله

ومزاميرَها وهواها،

مُفْرَد، ذابِل

جذبتهُ إلى عِطرها

وردة ذابله.

( 16 )

ستَظلُّ صديقي

بين ما كان، أو ما تَبقَى

بين هذا الحطامْ،

أيُّهذا البريقُ الذي يلبس الغيمَ، يا سيّدًا لا ينامْ.

(18 )

أخذت ما تيسّر من خبزها / كان طفل

يتلهّى بعكّازها

ويدبّ على قدمَيْها،

حملته كجوهرة، غَمَرتْهُ

ورمت فوقَهُ وجْهَهَا

وَمَضَتْ تتوكّأُ / عُكّازُها

إرثُها من أب

مات قَتْلاً…

(19 )

أَلنّهار رغيف

والمساءُ إدام لهُ،

أَلمساءُ رغيف

والنهارُ إدام لهُ

ورق يتقلّب في ريحه /

سيكونُ الشتاء طويلاً

سيموت الربيعُ بلا أُغنيات،

إنّ هذا رثاء لليلى التي لم تمُتْ… .