أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب – المتنبي

أعِيدوا صَباحي فَهوَ عندَ الكَواعبِ … ورُدّوا رُقادي فَهوَ لحظُ الحبائِبِ

فإنّ نَهاري لَيْلَةٌ مُدْلَهِمّةٌ … على مُقْلَةٍ مِنْ بَعدِكمْ في غياهبِ

بَعيدَةِ ما بَينَ الجُفُونِ كأنّمَا … عَقَدْتُمْ أعالي كلِّ هُدْبٍ بحاجِبِ

وأحْسَبُ أنّي لوْ هَوِيتُ فِراقَكُمْ … لَفارَقْتُهُ والدّهرُ أخبثُ صاحِبِ

فَيا لَيتَ ما بَيْني وبَينَ أحِبّتي … مِنَ البُعْدِ ما بَيني وبَينَ المَصائِبِ

أُراكِ ظَنَنْتِ السّلكَ جِسمي فعُقْتِه … عَلَيْكِ بدُرٍّ عن لِقاءِ التّرائِبِ

ولَوْ قَلَمٌ أُلقيتُ في شَقّ رأسِهِ … من السّقمِ ما غيّرْتُ من خطّ كاتِبِ

تُخَوّفُني دونَ الذي أمَرَتْ بِهِ … ولم تَدْرِ أنّ العارَ شرُّ العَواقِبِ

ولا بُدّ مِنْ يَوْمٍ أغَرّ مُحَجَّلٍ … يَطولُ استِماعي بَعدَهُ للنّوادِبِ

يَهُونُ على مِثْلي إذا رامَ حاجَةً … وُقوعُ العَوالي دونَها والقَواضِبِ

كَثيرُ حَيَاةِ المَرْءِ مِثْلُ قَليلِهَا … يَزولُ وباقي عَيْشِهِ مِثْلُ ذاهِبِ

إلَيْكِ فإنّي لَسْتُ ممّنْ إذا اتّقَى … عِضاضَ الأفاعي نامَ فوقَ العقارِبِ

أتاني وَعيدُ الأدْعِياءِ وأنّهُمْ … أعَدّوا ليَ السّودانَ في كَفْرَ عاقِبِ

ولَوْ صَدَقوا في جَدّهمْ لَحَذِرْتُهمْ … فَهَلْ فيّ وَحدي قَوْلُهم غيرُ كاذِبِ

إليّ لَعَمري قَصْدُ كُلّ عَجيبَةٍ … كأنّي عَجيبٌ في عُيُونِ العَجائِبِ

بأيَّ بِلادٍ لم أجُرَّ ذُؤابَتي … وأيُّ مَكانٍ لم تَطأْهُ رَكائبِي

كأنّ رَحيلي كانَ منْ كَفّ طاهرٍ … فأثْبَتَ كُوري في ظهورِ المَواهِبِ

فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ لم يَرِدْنَ فِناءَهُ … وهُنّ لَهُ شِرْبٌ وُرُودَ المَشارِبِ

فَتًى عَلّمَتْهُ نَفْسُهُ وجُدودُهُ … قِراعَ العَوالي وابتِذالَ الرّغائبِ

فقَدْ غَيّبَ الشُّهّادَ عن كلّ مَوْطِنٍ … ورَدّ إلى أوطانِهِ كلَّ غائِبِ

كَذا الفاطِمِيّونَ النّدى في بَنانِهِمْ … أعَزُّ امّحاءً مِنْ خُطوطِ الرَّواجِبِ

أُناسٌ إذا لاقَوْا عِدًى فكأنّما … سِلاحُ الذي لاقَوْا غُبارُ السّلاهِبِ

رَمَوْا بنَواصِيها القِسِيَّ فجِئْنَها … دَوَامي الهَوادي سالماتِ الجَوانِبِ

أُولَئِكَ أحْلى مِنْ حَياةٍ مُعادَةٍ … وأكْثَرُ ذِكْراً مِنْ دُهورِ الشّبائِبِ

نَصَرْتَ عَلِيّاً يا ابْنَهُ ببَواتِرٍ … من الفِعْلِ لا فَلٌّ لها في المَضارِبِ

وأبْهَرُ آياتِ التّهاميّ أنّهُ … أبوكَ وأجدى ما لكُمْ من منَاقِبِ

إذا لم تكُنْ نَفْسُ النّسيبِ كأصْلِهِ … فماذا الذي تُغني كرامُ المَناصِبِ

وما قَرُبَتْ أشْباهُ قَوْمٍ أباعِدٍ … ولا بَعُدَتْ أشْباهُ قَوْمٍ أقارِبِ

إذا عَلَوِيٌّ لم يكنْ مِثْلَ طاهِرٍ … فَما هُوَ إلاّ حُجّةٌ للنّواصِبِ

يَقولونَ تأثِيرُ الكَواكِبِ في الوَرَى … فَما بالُهُ تأثِيرُهُ في الكَواكِبِ

عَلا كَتَدَ الدّنْيا إلى كُلّ غايَةٍ … تَسيرُ بهِ سَيْرَ الذَّلُولِ براكِبِ

وحُقّ لَهُ أن يَسْبِقَ النّاسَ جالِساً … ويُدْرِكَ ما لم يُدرِكُوا غيرَ طالِبِ

ويُحْذَى عَرانِينَ المُلوكِ وإنّها … لَمِنْ قَدَمَيْهِ في أجَلّ المَراتِبِ

يَدٌ للزّمانِه الجَمْعُ بَيْني وبَيْنَهُ … لتَفْريقِهِ بَيْني وبَينَ النّوائِبِ

هُوَ ابنُ رَسولِ الله وابنُ وَصِيّهِ … وشِبْهُهُما شَبّهْتُ بعدَ التّجارِبِ

يَرَى أنّ ما ما بانَ مِنكَ لضارِبٍ … بأقْتَلَ مِمّا بانَ منكَ لعائِبِ

ألا أيّها المالُ الذي قد أبادَهُ … تَعَزَّ فَهَذا فِعْلُهُ بالكَتائِبِ

لَعَلّكَ في وَقْتٍ شَغَلْتَ فُؤادَهُ … عنِ الجُودِ أوْ كَثّرْتَ جيشَ مُحارِبِ

حَمَلْتُ إلَيْهِ مِنْ لِسَاني حَديقَةً … سقاها الحجى سقيَ الرّياضِ السّحائِبِ

فَحُيّيتَ خيرَ ابنٍ لخَيرِ أبٍ بهَا … لأشرَفِ بَيْتٍ في لُؤيّ بنِ غالِبِ