أريقك أم ماء الغمامة أم خمر – المتنبي
أريقُكِ أمْ ماءُ الغَمامةِ أمْ خَمْرُ … بفيّ بَرُودٌ وهْوَ في كَبدي جَمْرُ
أذا الغُصْنُ أم ذا الدِّعصُ أم أنتِ فتنةٌ … وذَيّا الذي قَبّلتُهُ البَرْقُ أمْ ثَغرُ
رَأتْ وجهَ مَنْ أهوَى بلَيلٍ عَواذلي … فقُلْنَ نَرى شَمساً وما طَلَعَ الفَجرُ
رَأينَ التي للسّحرِ في لحَظاتِها … سُيُوفٌ ظُباها من دَمي أبداً حُمرُ
تَناهَى سُكونُ الحُسنِ من حرَكاتِها … فليسَ لرائي وجهِها لم يَمُتْ عُذْرُ
إلَيكَ ابنَ يحيَى بنِ الوَليدِ تجاوَزَتْ … بيَ البيدَ عِيسٌ لحمُها والدّمُ الشِّعرُ
نَضَحْتُ بذكراكُمْ حَرارةَ قَلبِها … فسارَتْ وطولُ الأرض في عينها شبرُ
إلى لَيثِ حَرْبٍ يُلحِمُ اللّيثَ سيفَهُ … وبَحْرِ نَدًى في موجهِ يغرَقُ البحرُ
وإنْ كانَ يُبقي جُودُهُ من تَلِيدِهِ … شَبيهاً بما يُبقي منَ العاشِقِ الهَجْرُ
فَتًى كلَّ يَوْمٍ تحتَوي نَفْسَ مالِهِ … رِمَاحُ المَعالي لا الرُّدَيْنِيّةُ السُّمْرُ
تَباعَدَ ما بَينَ السّحابِ وبَيْنَهُ … فَنائِلُها قَطْرٌ ونائِلُهُ غَمْرُ
ولَوْ تَنزِلُ الدّنْيا على حُكْمِ كَفّهِ … لأصْبَحَتِ الدّنْيا وأكثرُها نَزْرُ
أراهُ صَغيراً قَدْرَها عُظْمُ قَدْرِهِ … فَما لعَظيمٍ قَدْرُهُ عِندَهُ قَدْرُ
مَتى ما يُشِرْ نحوَ السّماءِ بوَجهِهِ … تَخِرّ لهُ الشِّعرَى ويَنخسِفِ البَدْرُ
تَرَى القَمَرَ الأرْضِيَّ والمَلِكَ الذي … لهُ المُلْكُ بعدَ الله والمَجدُ والذّكرُ
كَثيرُ سُهادِ العَينِ من غيرِ عِلّةٍ … يُؤرّقُهُ في ما يُشَرّفُهُ الفِكْرُ
لَهُ مِنَنٌ تُفْني الثّنَاءَ كأنّما … بهِ أقسَمَتْ أن لا يؤدَّى لها شُكْرُ
أبا أحْمَدٍ ما الفَخْرُ إلاّ لأهْلِهِ … وما لامرىءٍ لم يُمسِ من بُحترٍ فخرُ
هُمُ النّاسُ إلاّ أنّهُمْ من مكارِمٍ … يُغَنّي بهِمْ حَضْرٌ ويحدو بهم سَفْرُ
بمَنْ أضرِبُ الأمثالَ أمْ من أقيسُهُ … إليكَ وأهلُ الدّهرِ دونَكَ والدّهرُ