أتصرف عن ليلى بنا أم تزورها – الفرزدق

أتَصْرِفُ عَنْ لَيْلى بِنا أمْ تَزُورُها، … وَمَا صُرْمُ لَيلى بَعدَما ماتَ زِيرُهَا

فإنْ يَكُ وَارَاهُ التّرَابُ، فَرُبّمَا … تَجَرّعَ مِنّي غُصّةً لا يُحِيرُها

ألا لِيَلُمْ مَنْ ضَنّ بِالمَالِ نَفْسَهُ، … إذا ضِبْرِمٌ بَانَتْ بلَيْلٍ خُدُورُها

ألا رُبّما إنْ حَالَ لُقْمَانُ دُونَها … تَرَبّعَ بَينَ الأرْوَتَينِ أمِيرُهَا

مُقَابَلَةَ الثّايَاتِ ثايات ضَابِىءٍ … مَرَاتِعَ مِنْهَا لا تُعَدّ شُهُورُها

بِصَحْرَاءَ مِكْمَاءٍ تَرُدّ جُناتُها … إلَيها الجَنى في ثَوْبِ مَنْ يَستَثِيرُها

إذا هي حَلّتْ في خُزَاعَةَ وَانْتَوَتْ … بها نِيّةٌ زَوْرَاءُ عَمّنْ يَزُورُها

فَرُبّ رَبِيعٍ بِالبَلالِيقِ قَدْ رَعَتْ … بمُسْتَنّ أغْياثٍ بُعَاقٍ ذُكُورُها

تَحَدّرَ قَبْلَ النّجْمِ مِمّا أمَامَهُ … من الدّلوِ وَالأشرَاطِ يجرِي غَديرُها

وَرَحْلٍ حَمَلنا خَلفَ رَحلٍ وَناقَةٍ … تَرَكْنَا بعَطْشَى لا يُزَجّى حَسيرُها

تَرَكْنَا عَلَيها الذّئْبَ يَلْطُمُ عَينَهُ … نهَاراً، بِزَوْرَاءِ الفلاةِ، نُسُورُها

وَلمّا بَلَغْنَا الجَهْدَ مِنْ مَاجِداتها، … وَبَيّنَ مِنْ أنْسَابهِنّ شَجِيرُها

تَجَرّدَ مِنها كُلُّ صَهْبَاءَ حُرّةٍ … لِعَوْهَجَ أوْ للدّاعِرِيّ عَصِيرُها

مَشَى، بَعدَما لا مُخّ فِيهَا بِآدِها … نَجابَةُ جَدّيْها بهَا،، وَضَرِيرُها

يَرُدّ على خَيْشومِها مِنْ ضَجَاجِها … لها بَعدَ جَذْبٍ بالخَشاشِ جَرِيرُها

وَمَحْذُوّةٍ بَينَ الحِذَاءِ الّذِي لهَا، … وَبَينَ الحَصَى، نَعْلاً مُرِشّاً بَصِيرُها

طَوَتْ رِحمَها مِنهُنّ كُلُّ نَجيبَةٍ … منَ المَاءِ وَالتَفّتْ عَليهِ سُتُورُها

أتَيْنَاكَ مِنْ أرْضٍ تَمُوتُ رِياحُها … وَبالصّيْفِ لا يُلفى دَليلٌ يطورُها

منَ الرّمْلِ رَملِ الحَوْشِ يَهلِكُ دونه … رَوَاحُ شَمالٍ نَيرَجٍ وَبُكورُها

قَضَتْ ناقَتي ما كنتُ كَلّفت نحبَهَا … مِنَ الهَمّ والحاجِ البَعيدِ نَعُورُها

إذا هيَ أدّتْني إلى حَيْثُ تَلْتَقي … طَوَالِبُ حَاجاتٍ، بَعِيدٍ مَسِيرُها

إلى المُصْطَفَى بَعدَ الوَليّ الذي لَهُ … على النّاسِ نُعمَى يملأُ الأرْضَ نورُها

وَكمْ من صَعُودٍ دونَها قَدْ مَشيتُها … وَهابِطَةٍ أُخْرَى يُقَادُ بَعِيرُها

وَما أمَرَتْني النّفْسُ في رِحْلَةٍ لهَا، … فَيَأمُرَني إلاّ إلَيْكَ ضَمِيرُها

وَلمْ تَدْنُ حَتى قُلْتُ للرَّكبِ: إنّكُم … لآتونَ عَينَ الشّمسِ حيثُ تَغُورُها

فَلَمّا بَلَغْنَا أرْجَعَ الله رِحْلَتي، … وَشُقّتْ لَنَا كَفٌّ تَفيضُ بحُورُها

نَزَلْنَا بِأيّوبٍ، ولمْ نَرَ مِثْلَهُ، … إذا الأرْضُ بالناسِ اقشعرّتْ ظهورُها

أشدَّ قُوى حَبْلٍ لمَنْ يَسْتَجِيرُهُ، … وَأطْوَلَ، إذْ شَرُّ الحِبَالِ قَصِيرُها

جَعَلْتَ لَنا للعَدْلِ بَعدكَ ضَامِناً، … إذا أُمّةٌ لمْ يُعْطِ عَدْلاً أمِيرُها

أقَمتَ بهِ الأعناقَ بَعدَكَ فانتَهَتْ … إلَيْكَ بِأيْدي المُسلِمِينَ مُشِيرُها

دَعَوْتَ لَهُمْ أنْ يجعَلَ الله خَيرَهم … وَأنْتَ بدَعْوَى بالصّوَابِ جَدِيرُها

أرَادَ بهِ الباغونَ كَيْداً، فكادَهُمْ … بهِ رَبُّ بَرّاتِ النّفُوسِ خَبِيرُها

ولَوْ كايَدَ العَهْدَ الّذي في رِقَابِهِمْ … لَهُ أخْشَبا جَنْبَيْ مِنىً وَثَبِيرُها

لِيَنْقُضْنَ تَوْكيدَ العُهُودِ التي لَهُ … لأمسَتْ ذُرَاها وَهيَ دُكٌّ وَعُورُها

وَقَوْمٍ أحاطَتْ لَوْ تُرِيدُ دِماءهُمْ … بِأعْنَاقهِمْ أعْمَالُهُمْ لَوْ تُثيرُها

عَلَيْهِمْ رَأوْا مَا يَتّقُونَ من الذي … غَلتْ قِدرُهمْ إذ ذابَ عنها صُيورُها

تجاوَزْتَ عَنهُم فَضْل حلمٍ كما عَفا، … بمُسكِنَ وَالهنديُّ تَعْلُو ذُكورُها

أبُوكَ جُنُوداً بَعدَما مَرّ مُصْعَبٌ، … تَفَلّذَ عَنْهُ، وَهْوَ يَدْعو، كَثيرُها

فَأنْتَ أحَقُّ النّاسِ بالعَدلِ وَالتُّقى … وَأنتَ ثَرَى الأرْضِ الحَيا وَطَهورُها

فَأصْبَحْتُمَا فِينَا كَداودَ وَابنِهِ، … على سُنّةٍ يُهْدَى بها مَنْ يَسِيرُها